«ساندي» يضرب شواطئ أخلاقنا

TT

إعصار «ساندي» الأميركي وصل هيجانه إلى شواطئ العرب، على هيئة موجات من الجدل، ما بين شامت فرحان بالكارثة منتشيا كلما تصاعد رقم الضحايا وارتفع مد الفيضانات وتهدمت المنازل، فأميركا أساس الشرور ومصدر البلاءات، فهي ومعها «كل» مواطنيها تستحق ما يحل بها من بلاء وما يصيبها من كارثة، والجزاء من جنس العمل، وبين من يرى إعصار «ساندي» كارثة إنسانية حلت بأفراد بريئين بعيدين عن السياسة بعد بلادهم جغرافيا عن العالم الإسلامي، فليس من الدين ولا المروءة ولا الإنسانية أن يشمت إنسان بإنسان مهما كان دينه أو عرقه أو بلده.

محور الجدل منصب على رجل الشارع العادي الذي مسه الضر بالدرجة الأولى، وما كنا لنلتفت لمثل هذا الجدل لو أنه اقتصر على مجرد وجهة نظر تنطلق من قناعات شخصية، لكن حين يوظف فهم بشري لنصوص شرعية في تقرير ما يتعارض مع الخطوط العريضة للمفاهيم الشرعية في التعامل مع المخالف، فإن الحاجة تبدو أكثر إلحاحا لتوضيح هذه المفاهيم الشرعية وتقريرها وإنزالها على الوقائع، وخاصة أن الكوارث سنة كونية جرت وتجري وستجري على الجميع، فكان لا بد من أهل الاختصاص من ذوي النظرة الشمولية أن يقدموا تأصيلا معتدلا يمكن أن يكون مرجعا لعامة الناس قبل خاصتهم.

ولا ريب أن أسباب الجدل في هذه المسألة أن كل طائفة ممن أخذ أقصى طرفيها لم يفرز مسائلها، فتراه قد خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وألغى كل منهما ما عند الطرف الآخر من بعض الحق، ثم تراهما قد استدلا أو تركا بعض النصوص الشرعية، مثل الجدل الذي اشتعل بعد إعصار «تسونامي» الذي تضررت به الشواطئ الإندونيسية ضررا كبيرا، فتطرف فريق حتى نسف النصوص الثابتة المتعلقة بعلاقة المصائب بالذنوب، وأخطأ الفريق الآخر حين «جزم» بعضهم بأن كارثة «تسونامي» حلت عليهم بسبب ألبسة البحر العارية على الشواطئ الإندونيسية.

وبعضهم انتقل من الحض على الدعاء على المسالمين من غير المسلمين، أو الشماتة بهم إلى التأكيد على أن عدم الدعاء عليهم أو الشماتة بهم خادش لعقيدة الولاء والبراء، وكان الأولى بهم تسليط الضوء على ما في الشريعة الإسلامية السمحة من كنوز أخلاقية شهد بها الخصم قبل الصديق، مما دلت الشريعة فيه دلالة بينة على جواز تعامل المسلم مع غير المسلم بهذه المرجعية الأخلاقية الجميلة حتى في خضم المعركة، ناهيك عن زمن السلم والكوارث الطبيعية التي أكثر ما تطال عامة الناس من غير المسلمين، روى مسلم «قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين. قال: إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة».. فالشريعة حين أباحت بعض صور الدعاء على الأعداء والشماتة بهم قد جعلته رخصة في حال معينة؛ كوقت الحروب، وهذا ينسحب حتى على الظلمة من المسلمين، فالمجازر المهولة التي تقع هذه الأيام على الشعب السوري جعلت الدعاء على نظام بشار وجنوده وإعلامه وشبيحته ومن يسانده على فظائع جرائمه مثل نظام إيران أمرا سائغا لا خلاف عليه.

بقي أن أقول إن المقال وجملة من أفكاره ولدت من رحم بحث رصين كتبه الشيخ سليمان الماجد، عضو مجلس الشورى السعودي، كان الباعث عليه سؤالا ورده حول ما حكم الشماتة بما يقع لغير المسلمين المسالمين من كوارث طبيعية، وللحديث بقية.