الثورة السورية وآيات الله الشيعة

TT

«لماذا يسكت المراجع الشيعة عما يجري في سوريا؟»، كان هذا هو عنوان مقال عادل الطريفي الذي نُشر يوم الأربعاء الموافق 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والذي يشير إلى مسألة مهمة للغاية متمثلة في السؤال الذي يطرحه. لماذا لا نسمع رسالة واضحة من آيات الله في قم والنجف تتعلق بالكارثة التي تواجهها سوريا حاليا؟ كيف لهم أن يبرروا صمتهم؟ ما من شك أن نظام الأسد يحاول بكل ما أوتي من قوة قتل الشعب السوري وتدمير المدن السورية وتراث البلاد. وأوضحت الإحصاءات الأخيرة أن مصير أكثر من 28 ألفا غير معلوم، وأن مليون شخص غادروا منازلهم ومدنهم. ما السبب وراء التزام آيات الله العليا الصمت؟ ما هو السبب وراء هذا الصمت المريب؟

دعوني أبدأ بآيات الله في النجف. أنا أختلف تماما مع أحمد منصور، الذي أكد أن الجنسية الإيرانية التي يتمتع بها آية الله علي السيستاني هي السبب الرئيسي وراء موقفه تجاه كثير من الأمور. فعلى العكس من ذلك، وبحسب التقاليد الشيعية، لا يمكن أن يُنظر إلى جنسية المرجع باعتبارها السبب الأساسي. فعلى سبيل المثال، قبل اندلاع الثورة الإيرانية، كان آية الله الحكيم هو أول مرجع تقليدي في إيران وكان يحمل الجنسية العراقية. أعتقد أنه ينبغي علينا دراسة المشكلة من منظور مختلف. هناك 21 شخصا في العراق يحملون لقب آية الله العظمى، أكثرهم عراقيون، لكن من بينهم إيرانيين وباكستانيين وبحرينيين وأفغانا. ولعله غني عن القول إن آية الله العظمى علي السيستاني ليس هو أكثر المراجع نفوذا في العراق فحسب، بل في العالم الشيعي أيضا. ولا يخفى على أحد الدور الذي اضطلع به في العراق بعد الاحتلال الأميركي، فضلا عن مراقبته عن كثب للأحداث الجارية في العراق وفي المنطقة.

روى الأخضر الإبراهيمي لنا منذ عامين في العاصمة الماليزية كوالالمبور لقاءه بالسيستاني. وقال: «عندما التقيت به في منزله المتواضع في النجف، وجدته حاد الذكاء وغزير المعرفة. لقد كانت تجربة مذهلة بالنسبة لي. ويمكنني القول إن معلوماته وتأويلاته غير العادية للأحداث أذهلتني. توجهت بعد ذلك اللقاء إلى القاهرة حيث التقيت بصديقي محمد حسنين هيكل، وأخبرته بلقائي بالسيستاني، فابتسم هيكل وروى لي قصة لقائه بالسيستاني. أقرّ بأن قصة هيكل كانت أغرب من قصتي. فقد قال إنه كان يتحدث مع السيستاني واقتبس قولا لإدوارد سعيد، وسأله إن كان سمع عنه، فأجابه بـ(نعم)، حيث قرأ كتابه (الاستشراق) وكذا مقالات له عن جوزيف كونراد. لقد فاجأني ذلك إلى الحد الذي يجعلني أصدق أن شخصا ما قد نبت له قرنان في رأسه ولا أصدق هذا الأمر».

ويذكر كتاب ولي نصر «صحوة الشيعة» دور السيستاني العظيم في العالم الشيعي. وفي حين يشرف آية الله العظمى في العراق، السيستاني، على ما يقدر بملايين الدولارات، يقدم أتباعه إليه حصة ثابتة من دخولهم، تستخدم لأغراض تعليمية وخيرية. وذكر مكتب السيستاني أنه يقدم الدعم إلى 35 ألف طالب في قم، و10 آلاف في مشهد، و4 آلاف في أصفهان. كذلك يشرف على شبكة من الممثلين الذين يدعون إلى آراء السيستاني وينشرونها على مختلف المستويات في الأحياء والمساجد والمتاجر والمنتديات.

من الواضح أن النظام الإيراني، الذي يوجد على قمته آية الله خامنئي يفشل حتى هذه اللحظة في إقناع السيستاني بدعم النظام السوري.

وعلى الجانب الآخر، لم يعبر السيستاني عن إدانته للمعارضة السورية. كان موقف السيستاني حيال اللاجئين السوريين، خاصة على الحدود العراقية – السورية، واضحا إلى حد كبير. فقد طلب من الحكومة العراقية عدم فرض أي شروط خاصة باستضافة اللاجئين السوريين في العراق وتزويدهم بكل الخدمات الضرورية. لقد دعم وأكد بشدة على حقوق السوريين في التمتع بالحرية. لذا، أرسل عبد الباسط سيدا، رئيس المجلس الوطني السوري المعارض، خطابا إلى السيستاني يشكره فيه على دعمه. كذلك دعم السيستاني مبادرة البابا بنديكتوس السادس عشر لحل الأزمة في سوريا.

وبالنظر إلى الأجواء المحيطة بآية الله العظمى، يمكنني القول إن السيستاني لم يمتنع فقط عن دعم نظام الأسد، بل أيضا التزم بدعم الشعب السوري. يثير هذا سؤالا، وهو لماذا يلزم آيات الله العظمى الآخرون في النجف وقم الصمت. يبدو لي أن مشهد الثورة السورية معقد للغاية، فنسمع أحيانا أصواتا مختلفة من الفريق المعارض. في اجتماع الكتاب السوريين في القاهرة أكدت على الوحدة والحكمة، فمن دون الوحدة لن يتم تحقيق أي إنجاز. ونسمع أحيانا بعض الأصوات أو الشعارات المناهضة للشيعة. وهذا أول سبب يدعو آيات الله الشيعة إلى الصمت، حيث يوجد قول شهير يتردد كثيرا في الحوزات الشيعية، هو «كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيُحلب ولا ظهر فيُركب». أما السبب الثاني فهو للأسف ضعف العلاقة بين علماء السنة والشيعة. إنهم أحيانا يتحاورون مع بعضهم من خلال وسائل الإعلام.

ويوضح هذا أولا حاجتنا إلى إعادة بناء الثقة وإرساء علاقة قوية بين علماء المسلمين. فحينها فقط نستطيع أن نطالبهم باتخاذ موقف تجاه أي حدث اجتماعي أو ثقافي أو سياسي. إنهم بحاجة إلى أرضية مشتركة بينهم. إن السيستاني معروف عنه الصمت، فحين يهاجمه أي شخص، يرفض الرد.

الوضع في قم مختلف تماما، فآيات الله العظمى في قم يعيشون في قلب الظروف الإيرانية. ويعلن النظام الإيراني وقادته عن دعمهم لنظام الأسد بكل صراحة، لكن لم نسمع حتى هذه اللحظة بدعم آيات الله العظمى في قم لنظام الأسد. أرى هذا الصمت أعلى صوتا من أي صراخ. عندما كنت أتحدث مع أحد آيات الله العظمى في قم منذ 12 عاما، أخبرني بــ«أننا نواجه فتنة في توقيت غريب»؛ فإذا دعم النظام، سيخسر تأييد الناس له، وإذا لم يدعم النظام، ستورطه قوات الأمن في مشكلات. ونتذكر كيف داهم الشبيحة في قم مكتب ومنزل كل من آية الله العظمى منتظري والصانعي. وهذا هو السبب الواضح المسكوت عنه وراء الصمت الذي يخيم على قم.