الأردن الجديد

TT

إذا تابعت المواقع الإخبارية في الأردن وتابعت بعض وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت ظننت أن هناك حربا أهلية أو انقلابا على وشك أن يحدث في البلاد. إنها المبالغة في الطرح وتوتير المطلع على الواقع.

الأردن بلد فريد، صغير في عمره ولكنه متجذر في التاريخ واحة استقرار وسط حي من المتقلبات العنيفة. الأردن بلد يحاول باجتهاد أن ينمو ويتطور ويحسن من أوضاعه. مقدرات محدودة وموارد بسيطة، ولكن الطموح عال وبلا سقف. أطماع جيرانه فيه لا نهاية لها، وتتغير وتتجدد مع الوقت، فكان للعراق أطماع في الأردن كما كانت لسوريا، وطبعا هناك «العدو» الذي لا يغيب، والمقصود إسرائيل «بأطماعها» المختلفة في الأردن ومن الأردن.

ومع الأطروحات الإسرائيلية المستفزة عن الأردن كوطن بديل للفلسطينيين ومع الحروب الإقليمية التي قام بها عراق صدام حسين ضد إيران وضد الكويت وتبعات كل ذلك، ومع الحرب السورية في لبنان ضد اللبنانيين والفلسطينيين، كان من المتوقع أن يترك كل ذلك الأثر الكبير على الأردن وأهله، ولكن الأردن استمر في طريقه ليكون واحة استقرار فيركز نفسه ليصبح مركزا خدميا لهذه المنطقة الملتهبة من العالم العربي. فاهتم بالتعليم بكافة مستوياته حتى تحول الخريج الأردني إلى مصدر ثقة وكفاءة، لأن التعليم هناك وفر له «الأرضية» الملائمة لدخول سوق العمل بجدارة. وعليه، ليس بغريب رؤية المئات من الطلبة والطالبات من مختلف أنحاء العالم العربي وهم يدرسون في مدارس ومعاهد وكليات وجامعات الأردن في مختلف المجالات والتخصصات.

ولم يكن التعليم سوى أحد المجالات التي تميز فيها الأردن الذي انفتح وبقوة على قطاع الخدمات الطبية ليتحول بالتدريج إلى أحد أهم مراكز التميز والتطور في الصحة والطب، وتفوق بشكل هائل مبكرا في مجالات دقيقة ومعقدة، مثل أمراض القلب والكلى والكبد والأورام والإنجاب، وحقق إنجازات ونتائج مبهرة جعلت منه نقطة جذب، وفتحت برامج التعاون الدولي مع مراكز طبية مهمة حول العالم.

ومؤخرا، تحول الأردن إلى مركز لصناعة المعلومات والتقنية العالية والبرمجيات، أو كما يطلق عليه «وادي السليكون العربي» فأفرز الكثير من قصص النجاح في هذا المجال المبهر والمميز، وتحول إِلى ورشة عمل إلكترونية وإبداعية لشركات العالم العربي والشركات العالمية الراغبة في دعم منتجاتها باللغة العربية، وانعكست هذه النتائج والنجاحات على شخصية الأردني الجديد الذي بات أكثر ثقة بالنفس وأكثر وطنية واعتزازا (تنعكس هذه المسألة على نتائج المنتخب الوطني لكرة القدم الذي حقق نجاحات جيدة هو الآخر وبات أيقونة لروح الأردن الجديد)، وبات الأردن يشير إلى نفسه بكل اعتزاز، بدلا من أن يصنف نفسه أنه من البلد المجاور للعراق وإسرائيل وسوريا!

ومع كل هذا، هناك تقلبات في الاستقرار الحكومي، فالبلد صاحب العدد الأكبر من تغيرات في رؤساء الوزراء و«المؤدب» في اعتصامه واحتجاجاته (بلا وفيات ولا إصابات) مع كثرتها، لا تزال «حالة الغضب» العالي بين الكثير من أبنائه، فهناك من يحرك الشارع من باب التطرف الأصولي الذي غزا الأردن، وهناك من يحركه من باب محاربة الفساد، وآخرون لأسباب متنوعة، ولكن حال الأردن بالعموم أفضل من غيره، وحيز المطالب معقول جدا، ولكن التهويل فيها يوتر الجو و«يلبنن» المناخ بلا سبب ولا داع.

أكتب هذه السطور من الأردن الذي عدت إليه بعد فترة قليلة، وأراه بلدا مستقرا وواعدا، لديه مشكلات مثل غيره، ولكن لا بد من النظر بعدل وإيجابية حتى تكون المطالب محقة وسوية. الأردن بلد تاريخي ذو حاضر متقلب، ولكنه يراهن على المستقبل. هناك أردن جديد يخطط له أبناؤه الصادقون والمخلصون، وهذا هو الأردن الذي ينتظره الجميع.