لعبة التخمين في الصين

TT

مع اقتراب الانتخابات الأميركية، من المفيد النظر في التحول السياسي الغامض الذي تشهده الصين خلال الشهر الحالي. إن هذا يذكرنا بفوائد الديمقراطية الأميركية الفوضوية في بعض الأحيان. يواجه الصينيون تحولا سياسيًا لا يحدث سوى مرة كل عقد، حيث يستعد الرئيس، هو جينتاو، لنقل السلطة إلى زي جينبينغ، خليفته المختار منذ مدة طويلة. لكن أسفل هذه الطبقة السطحية من الأمور المعدة سلفًا، لا تزال هناك الكثير من القضايا المتأججة، في الوقت الذي يستعد فيه الحزب الشيوعي لعقد مؤتمره السنوي يوم الخميس.

تخيل أن الولايات المتحدة هي التي ستختار ليس فقط الرئيس وأعضاء الكونغرس، بل أيضا حجم ونطاق الجهاز التنفيذي وتضع القواعد الدستورية الجديدة وتلك الخاصة بالجيش، فماذا سيكون الحال. لا يزال يُعتقد أن خلاف قادة الصين حول هذه القضايا سوف يستمر حتى عشية المؤتمر خلف ستار من السرية التي تغذي الشائعات والأقاويل.

بموجب التحول السياسي المقبل، سيتغير أكثر أعضاء الجهازين التنفيذيين الرئيسيين في الدولة وهما اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي واللجنة العسكرية المركزية. المذهل حتى هذه اللحظة هو عدم معرفة أهم الخبراء الأميركيين سوى القليل عن آلية اتخاذ القرارات المتعلقة باختيار هؤلاء الأشخاص. ونتيجة غياب الشفافية في الصين، ترك جل هذا الأمر إلى مراقبي الصين داخل وخارج الحكومة. مع ذلك لا تقل الاحتمالات السياسية في بكين المنتظرة خلال الشهر الحالي أهمية عن الانتخابات الأميركية بالنسبة للعالم. وهاك بعض الاحتمالات والسيناريوهات التي يتوقعها الخبراء:

* ما حجم اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي المقبلة؟ تقول الشائعة إنه سيتم خفض عدد الأعضاء من تسعة إلى سبعة، والملفان اللذان سيتم التخلي عنهما سيكونان الدعاية وتطبيق القانون. ويتعلق قرار إلغاء هذين المقعدين وتقليل العدد بالإصلاح السياسي بحسب ما يوضح تشينغ لي، الخبير الصيني البارز في معهد «بروكينغز». وستظل الصين دولة بوليسية حتى إذا غاب كل من ملفي الدعاية وتطبيق القانون عن اللجنة الدائمة. وربما يزداد استبداد الدولة في ظل قدرة مجموعة أساسية على التوصل إلى اتفاق على المواضيع الشائكة بطريقة أسهل، لكن على الجانب الآخر تتزايد الضغوط على الدولة باتجاه التغيير. وستتكون مجموعة من وجوه جديدة عددهم خمسة أو سبعة بحسب الحجم الذي سيتم تحديده.

* هل سيحتفظ الرئيس المتقاعد، «هو»، بمقعده في اللجنة العسكرية المركزية؟ لقد ظل سلفه جيانغ زيمين، مسيطرًا على الأمور العسكرية، وربما يرغب «هو» في التمتع بهذه المكانة الرمزية والوصاية أيضا من خلال تقليص نفوذ الرئيس المقبل زي قليلا. مع ذلك إنها حكاية تغيير. من المرجح أن يكون الأعضاء الاثني عشر في اللجنة العسكرية جدد. ويمثل هذا تحولا كبيرا بالنسبة إلى الجيش الصيني، الذي تزداد عدوانيته في التعامل مع أمور مثل بحر الصين الجنوبي.

* هل سيكون من المتاح التعامل مع مشكلتي الفساد والوصاية اللتين تفجرتا من خلال فضيحة بو زيلاي شهر فبراير (شباط) الماضي؟ لقد أبلى الصينيون بلاء جيدا حتى هذه اللحظة في احتواء الآثار الناجمة عن التخلص من بو، الرئيس السابق لمكتب الحزب في تشونغتشينغ الذي كان يتمتع بشعبية وحضور. مع ذلك يرى لي من معهد «بروكينغز» أن هناك انقساما عميقا بين «هو»، الذي لأتباعه جذور في عصبة الشبيبة الشيوعية الصينية، وجيانغ، الذي يُوصف مؤيدوه من النخبة «بأحفاد مسؤولي الحزب الشيوعي البارزين». ويُقال عن مؤيدي جيانغ المنفتحين إنهم يفضلون التطور السريع المستمر، في حين يؤكد مؤيدو «هو» على أهمية تنظيم الحزب والأمن القومي في التعامل مع الاضطراب الذي يصاحب النمو السريع.

والتحدي الذي يواجهه زي هو جسر هذه الهوة، ويبدو أنه يبلي حسنًا حتى هذه اللحظة.

إنه بالتأكيد يعدّ نفسه من أحفاد مسؤولي الحزب البارزين، فوالده كان واحدا من المستشارين المقربين من ماو تسي تونغ، لكنه أقام جسورًا مع فريق «هو» أيضا.

* هل سيفكر الحزب في إدخال تغييرات على تكوينه وهيكله ربما من خلال التأكيد على أنه تابع للدولة؟ يتوقع لي بعض الأوامر العليا بأن يكون الحزب خاضعا للقانون لا أن يكون فوقه. واتضح هذا التأجج والغليان الذي يحدث تحت السطح الهادئ في المشهد السياسي الصيني من خلال الكشف مؤخرًا عن الثروات الطائلة التي تمتلكها بعض الشخصيات القيادية في الحزب، حيث ذكرت وكالة أنباء «بلومبيرغ» في يونيو (حزيران) أن ما تملكه عائلة زي من أصول تقدر بنحو مليار دولار. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الشهر الماضي أن عائلة وين جياباو، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، تمتلك أصولا سرية تقدر قيمتها بـ2,7 مليار دولار. وبالتأكيد هناك الكثير من القصص المشابهة المتعلقة بأكثر القادة البارزين. وسيتعين على هذه القيادة الفاسدة السرية خلال الأسبوعين المقبلين تحديد مسار ثاني أكبر اقتصاد في العالم بطريقة ما. ويجعل هذا التحدي النظام الديمقراطي الانتخابي يبدو سهلا إذا ما قورن به.

* خدمة «واشنطن بوست»