فوز أوباما.. نهاية لجدل مرير

TT

يعد انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما لولاية ثانية بمثابة انتصار شخصي ونصر للولايات المتحدة الأكثر شبابا وتنوعا وتقدما، التي احتشدت خلفه بكل قوة. ويجب أن تؤدي هذه النتيجة إلى تسوية الجدل المرير الذي كان على وشك إدخال البلاد في طريق مسدود.

قضى الرئيس معظم العام الماضي في مواجهة آثار تباطؤ التعافي الاقتصادي ومواجهة المعارضة العنيفة من قبل الجمهوريين في الكونغرس، الذين كانت أولويتهم القصوى هي هزيمته. وقاوم أوباما ذلك عن طريق الكشف عن أن منافسه الجمهوري ميت رومني قد جنى ملايين الدولارات التي لم يدفع عنها ضرائب عبر شركة أسهم، والاعتماد على الرئيس الأسبق بيل كلينتون في حملته الانتخابية.

وعلاوة على ذلك، قام أوباما بحشد عدد هائل من الناخبين الأميركيين من الأصول الأفريقية واللاتينية، الذين كانوا مصممين للغاية على ممارسة حقهم الانتخابي بعد العقبات التي كان يضعها الجمهوريون أمامهم في ولاية تلو الأخرى حتى لا يتمكنوا من الوصول لصناديق الاقتراع. لقد أعطى الناخبون اللاتينيون أصواتهم لأوباما بكثافة كبيرة، وهو ما يضمن وضع إصلاح نظام الهجرة على جدول أعمال الكونغرس القادم.

وبالقدر نفسه من الأهمية للحكم على مدار السنوات الأربع المقبلة، بدا أن الرئيس لديه نية محافظة للغاية فيما يتعلق بتقليل مسؤوليات الحكومة على نطاق واسع وتقليص الضرائب على الأميركيين الأكثر ثراء. وخلال هذه العملية، قام أوباما بتكوين تحالف واسع من المعتدلين والتقدميين الذين لا يزالوا يؤمنون بالدور الأساسي للحكومة في تنظيم السوق وتوسيع نطاق الفرص.

ويرى كثيرون أن الرئيس قد أدار حملة «صغيرة» و«سلبية»، وأنه لا يخجل بكل تأكيد من مطاردة رومني، ولكنهم قد أغفلوا المدى الكبير الذي ذهب إليه أوباما من حيث الالتزامات المحددة التي قطعها على نفسه، وتأكيده مرارا وتكرارا على أن الانتخابات ما هي إلا اختيار بين اتجاهين فلسفيين مختلفين.

وفي الحقيقة، لم يكن أوباما غامضا فيما كان يعنيه، حيث تحدث صراحة عن فرض ضرائب أعلى على الأثرياء بهدف الوصول إلى ميزانية متوازنة، كما دافع بشجاعة عن تدخلات الحكومة الفيدرالية من أجل إنقاذ الاقتصاد، ولا سيما فيما يتعلق بإنقاذ شركات السيارات.

ولا يمكن أن ننسى أن إنقاذ شركتي «جنرال موتورز» و«كرايسلر» يعد بمثابة السياسة الاقتصادية الأكثر «تدخلا» و«اقتحاما» من جانب الرئيس أوباما، وثبت أنها الأكثر نجاحا لحملته الانتخابية من بين كل القرارات التي اتخذها. لقد كانت خطة إنقاذ شركات السيارات هي السبب الرئيسي في فوز أوباما الحاسم في ولاية أوهايو، التي شهدت موافقة ستة من بين كل عشرة مصوتين على خطة الإنقاذ. وقد صوتت الاتحادات العمالية في الولاية لأوباما بقوة، كما حصل على أصوات الكثير من البيض من الطبقة العاملة.

وعلاوة على ذلك، طالب الرئيس برفع مستويات الإنفاق الحكومي على برامج التدريب المهني والتعليم، وخاصة كليات المجتمع، كما هاجم مرارا تحويل الرعاية الصحية إلى مجرد تذاكر يعطى لحاملها الحق في الحصول على الرعاية الصحية.

في الواقع، يعرف الناخبون الذين صوتوا لأوباما ما كانوا يصوتون له بالضبط، كما يدركون أيضا ما كانوا يصوتون ضده. لقد دفع رومني ثمنا غاليا للتصريحات التي قال فيها إن«47 في المائة» من الناخبين يعتمدون على الحكومة ويعيشون بعقلية الضحية، لأنه ليس من الجيد أن تهاجم نحو نصف المصوتين. ويوم الثلاثاء، رفضت الغالبية العظمى من الناخبين هذه الفكرة، كما رفضت تصنيف النائب بول ريان للبلاد على أنها مكونة من فئتين «صناع» و«مستهلكين».

وقد حاول رومني بكل قوة أن يزحف باتجاه الساحة السياسية خلال الشهر الأخير من حملته الانتخابية، وهو ما يعكس إشارة أخرى مفادها أن هذه الانتخابات قد أثبتت أن الأفكار المتشددة لـ«حزب الشاي» مرفوضة، ليس فقط من قبل أولئك الذين صوتوا ضد الجمهوريين، ولكن من قبل الجمهوريين أنفسهم. وسوف يكون الجمهوريون على وعي تام بأن مرشحي حزب الشاي، ولا سيما في ولايتي إنديانا وميسوري، قد أجهضوا جهودهم الرامية إلى السيطرة على مجلس الشيوخ.

وسوف يجد الجمهوريون عزاء في نجاحهم في السيطرة على مجلس النواب، ولكن الحزب ككل يجب أن يعي الدرس من إخفاقاته في التوسع خارج قاعدته من الناخبين الأكبر سنا من البيض، وترجمة الشعارات اليمينية إلى جدول أعمال مترابط. إن الجمهوريين بحاجة إلى الدخول في نقاش جدي مع أنفسهم، كما أنهم بحاجة إلى التغيير، وكل هذا من شأنه أن يزيد من قوة أوباما.

ولن يكون من السهل على الجمهوريين أن يستمروا في الرفض والمعارضة، ولم يعد بإمكانهم أن يستخدموا رغبتهم في هزيمة أوباما كصيحة استنفار لحشد المؤيدين من حولهم. ولم يعد بإمكانهم الإصرار على أن زيادة الضرائب لن تكون جزاء من حل المشكلات المالية التي تواجهها البلاد.

والآن، سوف يكون لدى أوباما أقوى حجة يمكن أن يقدمها أي سياسي، فقد طلب من الناخبين مرارا وتكرارا أن يصوتوا لصالحه في واشنطن، وقاموا بذلك بالفعل يوم الثلاثاء. وهكذا يمكن للرئيس الذي تولى منصبه قبل أربع سنوات وسط موجة كبيرة من العاطفة أن يكون مدعوما بشيء ذي قيمة واستمرارية أكبر، أي الأغلبية التي فكرت مليا وقررت السماح له بقيادة المهمة التي كان قد بدأها.

* خدمة «واشنطن بوست»