أوباما.. رهيب!

TT

فاز باراك حسين أوباما بفترة رئاسية جديدة مرشحا عن الحزب الديمقراطي في انتخابات رئاسية محمومة تحمل الطابع التنافسي المحموم. فاز باراك أوباما في ظل وضع اقتصادي مضطرب ونسبة بطالة مرتفعة جدا، ولكن هناك ملامح تقول إن أميركا بدأت في الخروج البطيء من أزمتها الاقتصادية الطاحنة.. ولكن الحزب الجمهوري منذ حقبة جورج بوش الابن وجماعة المحافظين الجدد يتخبط ويظهر للناس بعده عنهم وفقدانه عناصر التواصل مع كوادر الشعب وطوائفه التي تتغير بشكل حاد جدا.

تركيبة المجتمع الأميركي تتغير بقوة بسبب الأقليات والأعراق والأديان وحقوقهم، والحزب الجمهوري لم يرَ كل ذلك، وبالتالي، بات وأصبح خارج الإطار الزمني للحراك السياسي في أميركا.. والنتيجة خير برهان. ولكن هذه النتيجة تضع الرئيس باراك أوباما على محك جديد، فهو في حل اليوم من هَمّ «إعادة الانتخاب»، وانقضت فترته الأولى، وبات الآن من دون ضغوط من حزبه ومن قوى الضغط، وبات نظريا بإمكانه تطبيق سياسته التي وعد بها ولم يتمكن من تحقيقها؛ السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وكبح الموتور الاستيطاني في الحكومة الإسرائيلية على أراضي الفلسطينيين، وأن يضع حدا لمذابح بشار الأسد في حق الشعب السوري، وتطبيق برنامج الصواريخ في أوروبا الشرقية، وتوفير الطاقة بسعر أرخص في أميركا عبر تمديدات للغاز والنفط من مناطق كان محظورا التنقيب فيها سابقا، وهاجس البطالة ومواجهتها، وتحسين المناخ الاستثماري في البلاد، وتغيير حال الميزان التجاري مع الصين.. كلها ملفات ساخنة جدا تحتاج إلى قرارات حاسمة من دون مواءمة، والعالم سيراقب أوباما ليرى ما الذي سيفعله الرجل، خصوصا أنه جاء إلى الرئاسة أول مرة بحسن ظن من العالم بأسره وفرحة كبرى ورسالة محفزة تقول للجميع إن كل شيء ممكن في هذه الدنيا.

وتبقى العبرة الأهم من موضوع إعادة انتخاب باراك حسين أوباما لرئاسة أكبر وأهم دولة في العالم، أنه رجل بسيط متوسط الحال ابن مهاجر كيني مسلم وصل للتعليم في أهم جامعات أميركا؛ كولومبيا وهارفارد، وصار أول سيناتور من أصول أفريقية في مجلس الشيوخ المرموق والمؤثر، ثم طبعا أصبح أول رئيس من أصول أفريقية. إنها القصة الأكثر إبهارا.. قصة الحلم الممكن الذي يتحدى المستحيل والصعاب النمطية. مجتمعات لا تزال عالقة في تقسيم نفسها على أسس عنصرية وتمييزية مقيتة، وأخرى تحاول أن تكون واحة متساوية وسوية لكل أبنائها..

مجتمعات علقت في أوحال الجهل والجاهلية في تمييز عنصري بغيض، وأخرى تجعل الحقوق والمساواة هي القاعدة الأساسية التي تتكون منها المواطنة السوية التي تبني المجتمعات الواثقة القوية. المجتمع الأميركي خاض حربا أهلية طاحنة مزقته وشرخته بشكل عميق، وواجه كابوس التمييز والعنصرية بشكل جذري، فسنت الأنظمة والقوانين والتشريعات لمواجهة هذا السرطان المدمر، وعاقبت المخالفين بشكل فعلي، وبالتدريج أصبح المجتمع الأميركي أكثر تجانسا (وهو الأكثر تنوعا في العالم)، ولكنه لا يزال يحاول أن يطور نفسه ويحسن من مناخ المساواة الاجتماعية بتعزيز الحقوق الحامية لكل أبناء المجتمع.

قصة باراك حسين أوباما حقيقية، وهي أقوى من أي رواية أو مشهد سينمائي، لأنها كذلك.

«الجرأة على الأمل» كان عنوان كتاب جميل كتبه باراك أوباما نفسه، ولعل في ذلك العنوان اختزالا للمعنى الأعمق للقصة المبهرة له، فالجرأة على العمل في جو يسمح لك بالأمل، سوف تكون نتيجة حتمية لأن تأتي بالأخبار والمفاجآت السارة. أميركا أبهرت العالم مجددا «بقصة» من نسيج المستحيل ومن خيال اللاممكن، ولذلك لا يمتلك العالم إلا أن يفتح فمه باندهاش وإعجاب وهو يرى مشهد انتصار أوباما. كنت أشترى «مناقيش» الزعتر صباح الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأرى عمال المطعم كافة وهم يحدقون بذهول في شاشة التلفزيون وهي تنقل وقائع احتفال أوباما بالفوز، ولم يتمالك أحد العمال دموع عينيه وقال: «رهيب».. كلمة اختصرت كل شيء.

[email protected]