لافروف مع الأسد إلى الأبد!

TT

كان لافتا في المؤتمر الصحافي الذي ظهر فيه بالقاهرة وزير الخارجية الروسي، والأخضر الإبراهيمي، وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، أن الأخير نأى بنفسه - مثل نجيب ميقاتي رئيس الحكومة اللبنانية - في حين تقارب الروسي والإبراهيمي. قال العربي إن الثلاثة استعرضوا الموقف ولم يتفقوا على شيء محدد. بينما ذهب لافروف إلى أن روسيا تتحدث إلى الجميع، أي النظام السوري ومعارضيه؛ وهي لا ترى أملا في إيقاف سفك الدماء إلا إذا جلس المعارضون مع النظام، واتفقوا على مرحلة انتقالية معا. وهم إن لم يفعلوا ذلك فسيستمر سفك الدم، وسيزداد المتطرفون قوة وظهورا. وقيل إنه في المفاوضات الثلاثية تلك، سأل الرجلان الوزير لافروف: «إن جرى التفاوض الذي تطلبه بالفعل، فماذا تُقدّم روسيا، هل توقِفُ مثلا تصدير السلاح إلى سوريا التي استوردت سلاحا من روسيا بمليار دولار عامي 2011 و2012 فقط؟».. وأجاب لافروف: «لا، فالسلاح المسلّم إلى سوريا هو نتاج اتفاقيات قديمة من أيام الاتحاد السوفياتي، وهو للدفاع عن سوريا ضد الأعداء الخارجيين، وليس ضد المعارضين بالداخل! وإذا وافق المعارضون على التفاوض فستضغط روسيا على النظام السوري للموافقة بالمثل، والاتفاق على وقف إطلاق النار من الطرفين!».

أما المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي فقد قال في المؤتمر الصحافي المذكور: «إن الوضع في سوريا شديد السوء، وسيزداد سوءا إن لم نجد طريقة لوقف إطلاق النار، والدخول في التفاوض، لأنه لا حل عسكريا من جانب النظام ولا من جانب معارضيه، ووثيقة جنيف التي تقول بذلك جيدة، إنما ينبغي لكي تكتسب قوة وفعالية على الأرض أن تتحول بنودها إلى قرار بمجلس الأمن، فلا بد أن يستمر الحديث بين الأطراف الدولية الكبرى للوصول إلى توافق على ذلك!».

وقد بدا الروسي لأول وهلة موافقا على كلام الإبراهيمي. لكنه عندما اجتمع بوزير الخارجية المصري وبالرئيس المصري محمد مرسي، أعلن معارضته لكلام الإبراهيمي، وترحيبه وتشجيعه للمبادرة المصرية التي أنشأت لجنة رباعية مكوّنة من مصر وإيران وتركيا والسعودية لتسهيل حل الأزمة! والمعروف أن رُباعية القاهرة اجتمعت ثلاث مرات، وحضرت السعودية في مرتها الأولى، ثم تركت الاجتماعين الآخرين، للشعور بعدم الجدية من جانب طهران، التي طالبت بتوسيع الرباعية لتضم فنزويلا والعراق!

وهكذا فإن وزير الخارجية الروسي لا يريد حلا من أي نوع، بل يريد بقاء الأسد وحسب. أما الإبراهيمي فلا يزال على رؤيته الأولى: «أن الأزمة ليست في سوريا بين النظام والشعب السوري، بل هي نزاع بين أطراف دولية، يكون عليها أن تتفق فتنحل الأزمة!».

لكن، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا جاء الروسي إلى المنطقة الآن؟! بعد القاهرة ذهب الروسي إلى الأردن، حيث اجتمع مع المنشقين السوريين بزعامة رياض حجاب وحاول إقناعهم بقبول التفاوض مع الأسد أو على حل انتقالي بمشاركة الأسد. وقد استغرب حجاب ذلك، وقال له: «نحن هاربون من الأسد بالذات، فكيف نقبل باستمراره في أي حل؟». واجتمع لافروف مع المسؤولين الأردنيين وحثهم على البقاء على الحياد، والاكتفاء باستقبال اللاجئين ورعايتهم!

تشعر روسيا الاتحادية بالقلق إذن من إمكان تغير سياسة أميركا تجاه الأزمة السورية بعد انقضاء الانتخابات الرئاسية الأميركية. وإمكان توحد الدول العربية على موقف واحد بعد طول التباين والاختلاف. فالمصريون في العهد الجديد ما أرادوا القيام بتدخل مكلف، وهم لا يستطيعون البقاء على الحياد والانكفاء كما كان يفعل مبارك. ولذلك أدخلوا إيران وتركيا لعل وعسى. والمفروض أنهم اختبروا الطرفين، وتأكدوا أن إيران لن تتخلى عن الأسد، وأن تركيا تفضّل - إذا صار التدخل ضروريا لأمنها - أن يكون تحت مظلة أميركية. وقد حاول الوزير الروسي الإيهام - من أجل بذر بذور الخلاف - بأن مصر عائدة إلى الرباعية. لكن وزير الخارجية المصري مضى في اليوم التالي إلى الدوحة لحضور مؤتمر المعارضة السورية وحضها على التوحد. وهكذا فالمصريون لا يزالون يتلمسون خطواتهم والأرض من حولهم قبل أن يقرروا ماذا يفعلون؛ في حين حسم الخليجيون بزعامة المملكة العربية السعودية موقفهم بالتدخل إلى جانب الثوار السوريين، وفرضوا بالتالي على «أصدقاء سوريا» من العرب وتركيا إلى الأوروبيين والأميركيين أن يتخذوا موقفا، وإن كان لا بد بعد الانتخابات الأميركية. ولذلك جاء الرئيس الفرنسي إلى السعودية، وكذلك رئيس الوزراء البريطاني. وموقف فرنسا معروف منذ مدة، وهو مع إسقاط الأسد بأي وسيلة. والبريطانيون لا يقلون تصميما، وإن كانوا أقل كلاما، وقد أعلن الفرنسيون والبريطانيون من قبل - وبعد طول تفاوض مع الروس - أن هؤلاء باقون مع الأسد ولن يتغيروا.

كان الرئيس فؤاد السنيورة، منذ أكثر من ستة أشهر وقبل أن يمضي إلى روسيا وبعدها، يقول إن الروسي مَثَلُهُ كَمَثل الذي يقف على قارعة الطريق في شمس الصيف الساطعة حاملا قرنا من الآيس كريم، فلا هو أكله ولا هو يبيعه. وكلما تطاول الزمن ذابت «البوظة» وفقدت قيمتها، وهو سيفيق يوما من غفوته الثائرة فلا يجد الأسد بدمشق، وتضيع عليه الصفقة، ويصبح عدوا للشعب السوري، كما صار عدوا للشعب الليبي! ويذهب دبلوماسي بريطاني إلى أن الأميركيين ضحكوا على الروس مرتين: مرة في ليبيا عندما أوهموهم بأنهم سيشاركونهم لكي يوافقوا على القرار بمجلس الأمن، ومرة في سوريا عندما قالوا لهم منذ البداية إنهم لن يشاركوهم، فهاج الروس وماجوا، واستتر الأميركيون بموقف الروس الرافض لحين موافقة إسرائيل، وانقضاء الانتخابات الرئاسية الأميركية!

إن موقف الروس في الأزمة السورية موقف غير عقلاني بالفعل، والأسباب التي ذكروها ويذكرونها لا تقنع أحدا بمن في ذلك الاستراتيجيون الروس: قالوا إنهم سيفقدون مرفأً متوسطيا.. وقالوا إنهم يخشون سيطرة «القاعدة» والإرهاب محل الأسد.. وقالوا إن الأسد حامي حمى الأقليات ومنها الأرثوذكس، وروسيا دولة أرثوذكسية! وعندما أُحرجوا في إحدى المرات بسخافة التعليلات، قالوا إنهم يبيعون السلاح، وإنهم سلبوا من الولايات المتحدة عدة أسواق ومنها السوق العراقية! وقد كان الاتحاد السوفياتي يعقد صفقات للتسلح مع أنظمة عسكرية عربية وغير عربية، لكنها كانت أنظمة مُقبلة وليس مُدْبرة كما يقال، أما المالكي والأسد والبشير، فأنظمتهم أنظمة مُدْبرة وهم «هامة اليوم أو غد» كما يقول المثل العربي القديم!

تريد روسيا وبطرائق غير عقلانية وغير جدية أن تلعب لعبة الدولة العظمى التي كانت سابقا للاتحاد السوفياتي. وهي لعبة ما أفادت في شيء غير تعظيم خسائر الشعب السوري، وخمسة أو ستة مليارات من الدولارات من مبيعات السلاح. ونحن نعلم أن الاتحاد السوفياتي بعظمته تدخل في أفغانستان فسقط. وما يسري على روسيا يسري أكثر على إيران. فقد وصل الأمر بالإيرانيين للقول إن المهدي المنتظر يقاتل مع الأسد، وإن خصوم الأسد يتلقون السلاح والأموال من إسرائيل وأميركا! ثم تبين أنه ليس مع الأسد غير الجنرال سليماني وحسن نصر الله ومن معهما، وأنهم لا يخدمون بذلك الأسد الزائل ولا مصالحهم البعيدة، بل يخسرون الشعب السوري ويخسرون العرب. ولو نفعت سياسات القتل والاغتيال في شيء لنفعتهم في العراق، الذي سيخرجون منه ومن سوريا مطرودين، كما خرج جيش بشار الأسد من لبنان!

لا ينبغي الاستخفاف بدوَران لافروف في المشرق العربي، وتهديداته لخصوم الأسد بالداخل والخارج. لكن الأسد سيسقط بنضالات الشعب السوري، وسواء اتفق أعضاء مجلس الأمن كما يرجو الأخضر الإبراهيمي، أم لم يتفقوا!