أميركا والشرق الأوسط: السنوات الأربع المقبلة

TT

كما كان متوقعا، فاز باراك أوباما بفترة رئاسية ثانية. وأصبح ما يمكن أن يفعله فيما يتعلق بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط مثار تكهنات الجميع. حاول خلال الحملة الانتخابية تذكير الناخبين في كل مناسبة بنجاح سياسته الخارجية مثل قتل أسامة بن لادن. الحقيقة - برغم ذلك - هي أنه بعد أربع سنوات من رئاسة أوباما تجد الولايات المتحدة نفسها دون رؤية عالمية منطقية، ناهيك عن سياسة خارجية ذات مصداقية.

يتجلى ذلك بوضوح في الشرق الأوسط، فعلى مدى ما يقرب من قرن، كانت المنطقة أحد خطوط الصدع التي تهدد الاستقرار الدولي. ومع اشتداد تنافس الإمبراطوريات الكبرى على هذه المنطقة، أسفر هذا التهديد عن كثير من الاضطرابات منذ الحرب العالمية الثانية. وأظهرت الولايات المتحدة اهتماما بالمنطقة في الأربعينات حيث بدأ الرئيس روزفلت في التفكير في النظام الدولي فيما بعد الحرب، من خلال منع ستالين من ضم أجزاء من إيران إلى الاتحاد السوفياتي. وتحول مبدأ ترومان إلى سياسة احتواء بهدف كبح جماح الاتحاد السوفياتي.

تمت صياغة البنية السياسية للمنطقة، على مدى عقود، تحت قيادة أميركية، كي تضمن استقرار المنطقة. وتولت الولايات المتحدة القيادة في أعقاب أزمة السويس بمبدأ أيزنهاور كعمود فقري للسياسة الأميركية خلال الحرب الباردة. ورغم الانقلابات العسكرية، كانت الحروب المدنية ونقض التحالفات والثورات والحروب واسعة النطاق، وواصلت الولايات دورها لأن الجميع يعلم أنها ستحول دون تجاوز الخطوط الحمراء. في هذا السياق تدخلت الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا لاحتواء أو إنهاء النزاعات في عمان واليمن ولبنان والأردن والكويت والعراق ناهيك عن الحروب العربية - الإسرائيلية. وباستثناء جيمي كارتر وافق القادة الأميركيون على استخدام القوة عند الضرورة. بيد أنه حتى كارتر لم يوافق على الانسحاب الذي نظمه أوباما، فعقيدة كارتر كانت تأكيدا على عزم أميركا الدفاع عن مصالحها في المنطقة.

وعلى مدى ستة عقود، كانت القوة الأميركية، في ظل إدارات من كلا الحزبين، عمودا يحفظ استقامة الخيمة. وخلال السنوات الأربع الماضية سحب أوباما هذا العمود وسمح للخيمة أن تسقط وتنقسم إلى أجزاء.

أدى هذا التنازل الأميركي إلى التحول من إشكالية وضع قائم إلى مستقبل غامض، لتتسبب في فراغ تحاول القوى الانتهازية شغله.

في ظل إدارة أوباما تفوقت روسيا على السياسة الخارجية الأميركية، بدءا ببناء الدرع الصاروخية في أوروبا ووقف البرنامج النووي الإيراني إلى التدخل في سوريا. فبعد عقدين من الغياب من الشرق الأوسط تحاول روسيا إعادة إحياء النفوذ الذي كانت تتمتع به الإمبراطورية السوفياتية سابقا.

هذا النشاط الجديد لموسكو يعود السبب فيه بشكل ما إلى المخاوف من إمكانية أن يمهد انسحاب الولايات المتحدة الطريق إلى هيمنة إسلامية جديدة على الشرق الأوسط.

وتبدو روسيا قلقة بشأن ظهور «حزام إسلامي أخضر» يحتويها إلى الجنوب، في الوقت الذي أغلق أفقها من قبل الاتحاد الأوروبي إلى الغرب والصين في الشرق. هذه الجبهة الإسلامية الجديدة تمتد من المحيط الأطلسي إلى بحر قزوين يمكن أن ترسل إشارات خاطئة إلى الأقاليم الروسية المضطربة.

ومن جانبها تحاول النخبة العثمانية الجديدة في تركيا إظهار نفسها بالقائد في شرق أوسط جديد يهيمن عليه الإخوان المسلمون، من خلف واجهة سياسية. وقبل أربع سنوات كانت تركيا الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعاني من مشكلات مع أي من جيرانها، لكنها لم تعد كذلك اليوم.

في الوقت ذاته شعرت إيران بخوف وعجرفة غير مسبوقة، فهي تخشى من أن تكون الهدف القادم لتغيير النظام وعجرفة بشأن تصدير الأيديولوجيا المعادية للغرب من الكراهية للمنطقة. ومع تعرض العملة الإيرانية للسقوط الحر وتوجه اقتصادها إلى حافة الهاوية، ربما لا تتمكن إيران من دعم الرئيس الأسد طويلا. إذ تبدو سوريا الآن مثل عشيقة مكلفة يزداد قبحها يوما تلو الآخر. وقد يجبر ذلك الملالي على محاولة تغيير اللعبة عبر إثارة حرب أخرى بالوكالة مع إسرائيل عبر حزب الله في لبنان.

وكما هو الحال بالنسبة لروسيا، شعرت إيران بالشجاعة والخوف نتيجة القهر الأميركي. تشجعت إيران لأنها ترى فرصا جديدة لإظهار القوة في أفغانستان، والخليج والعراق. لكنها خافت أيضا لأنها قد تنتهي بمواجهة جبهة جديدة مع القوى العربية مصممة على إعادتها إلى صندوقها الشيعي.

يشير بعض الانتهازيين إلى أن الخيار الأفضل هو ترك الصراع السوري دائرا، لزيادة التكلفة على إيران الضعيفة في الوقت الذي تشوه فيه صورة روسيا في العالم العربي حتى وإن كان ذلك يعني مأساة بالنسبة للسوريين.

وجهة نظر أوباما صاغها عاملان:

الأول رغبته في أن يكون على نقيض جورج بوش. فقد رأى في سلفه راعي بقر لا يرضى سوى بإملاء آرائه على الآخرين. ففي عام 2009 عندما هب الإيرانيون ضد النظام رفض أوباما دعمهم لأن ذلك سيبدو مثل موافقة على أجندة الحرية التي انتهجها بوش.

وقد أدت الكراهية لبوش بأوباما إلى دعم حكام الربيع العربي إلى أن أصبحوا في وضع لا يمكن الدفاع عنه. حينئذ، فضل أوباما التحالف مع الإخوان المسلمين عوضا عن المجموعات العلمانية التي شجعها، برغم ما حققه ذلك من نجاح طفيف.

كانت رغبة أوباما في ألا يسير على نهج بوش الدافع الأساسي في قراره بخفض العلاقات مع العراق، ومن ثم تحركت باتجاه إيران. وعندما أظهر على أنه ليس بوش، كان لا يزال على أوباما أن يقدم سياسته هو. الإجابة كانت العامل الثاني في سياسته، وهو الاعتقاد المبالغ فيه بقدرات سحره السياسي الخاص. اعتقد أوباما أن الأشياء ستتحقق ببساطة من خلال الرغبة فيها. فعلى سبيل المثال وعد بإنشاء دولة فلسطينية في عام 2009 وقام بتعيين السيناتور جورج ميتشل مبعوثا خاصا. لكنه تناسى ميتشل الذي اكتشف أنه خدع ثم استقال.

هذه الأمنيات صاغت سياسة أوباما، أو السياسة الزائفة ضد إيران، عندما مد يد الصداقة لأحمدي نجاد لكنه قوبل برفض شديد. بعد ذلك بدأ أوباما بمراسلة المرشد الأعلى، علي خامنئي، لكنه قوبل مرة أخرى بالرفض.

برغم كل ذلك قد تكون فترة أوباما الثانية مختلفة. فكونه لن يكون مهتما بشأن إعادة انتخابه، فقد يجد الوقت ليعيد النظر في منطقة لا تزال تحوي طاقات سلبية قادرة على التأثير في السلام والاستقرار العالمي.