«المليجي» والمسبار الجديد

TT

أكثر ما لفت انتباهي في اليوم الحافل الذي نظمه مركز المسبار للدراسات في دبي، الأسبوع الماضي، هو وجود الشباب بشكل ملحوظ، وأكثرهم من مواطني الإمارات.

لفت انتباهي أن المحاضرة الأولى في هذا اليوم (بعدها كانت محاضرة ثرية للدكتور يوسف زيدان حول تاريخ المسيحية في مصر) لم تكن حول موضوع هادئ ومريح، بل حول موضوع بطبيعته متوتر وساخن، وهو خبايا وتاريخ الإخوان المسلمين، ومن يتحدث؟ شخص قيادي سابق في هذه الجماعة، وصل به الأمر أن يكون عضوا في مجلس شورى جماعة الإخوان، وهو بعد هذا إنسان ناجح في حياته العملية، وفوق هذا كله متشرب للنفس الديني والتراثي، كما تجلى أثناء محاضرته المطولة، وأجوبته البديهية على الحضور.

المتحدث كان الدكتور عبد الستار المليجي، والمحاضرة موجودة على الـ«يوتيوب» لمن أراد الاستزادة، ولكن قلت في بداية هذا الحديث أنه كان لافتا لانتباهي هذا الحضور، لأنني أظن أنه لو نظم مثل هذا الحديث العام قبل سنوات «الربيع العربي» لربما لم يحضر أكثر من المعتادين للحضور. وتفسير هذا عندي، أو «بعض» تفسيره، كما أشرت في مداخلة عابرة في المحاضرة، هو أنه بسبب هيمنة الإخوان المسلمين على دول الثورات، تونس ومصر خصوصا، وزحزحة الشبان الثوريين الحالمين، ومعهم القوى اليسارية والمدنية، ثم «صولة» الإخوان الآن في دول الخليج. بسبب هذا كله تولد فضول طبيعي وتلقائي لدى غير المعنيين بقصة «الإخوان» وتيارات الإسلام السياسي، فهناك فقر شديد في «الثقافة العمومية» لدى المواطن العربي حول هذه الجماعات والتيارات، وفي ظني أنه فضول جيد من حيث المبدأ، فهو قد يغري البعض بمتابعة النظر والبحث والتأمل، مما يسقط الكثير من الهالات المقدسة، والروايات المثالية عن التاريخ المنقى والمصفى لـ«الإخوان»، خصوصا أنهم تسيدوا التربية المدرسية والثقافة العمومية في دول الخليج، لنحو أربعة عقود، لأسباب معقدة، داخلية وخارجية، ليس هذا مكان شرحها.

هو فضول إيجابي، وطبيعي إذن، فمن يتصدى لحكم الناس، أو يسعى لذلك، فقد وضع نفسه موضع الرأس، والرأس كما قيل هو أبرز ما في الإنسان وأسهل ما يصاب منه، وهو منبع الصداع والألم. ما بالك ونحن نمر بمرحلة مضطربة ومشوشة ومخيفة، فوارة بالألم والأمل.

من المتوقع أن يكون «الإخوان» ومن لف لفهم في الخليج في العين من عاصفة القلق والتوتر، قلق ممتزج بالحلم والوجل مما هو آت وفيما هو آت!

لذلك حظي مركز المسبار بسهام وافرة انطلقت من كنانة الغضب الإخوانية وشبه الإخوانية، وبعض الراكضين خلفهم من محترفي الزحام وحب التجمهر، خصوصا بعد محاضرة الدكتور المليجي الأخيرة، وكيلت كالعادة تهم تصلح للخيال البوليسي أكثر مما تصلح للكلام المسؤول والمحسوب. هي لم تكن اختلافا أو نقدا للمنتج المعروض، بل شعارات وهتافات غاضبة، صودف أنها اتخذت من عالم الإنترنت والهاتف الذكي ساحة لها.

على كل حال، هذا متوقع وليس غريبا، نحن نعيش في مطبات هوائية عنيفة، في طائرة يقودها، أو يريد أن يقودها، «الإخوان المسلمون».. وبعض المتجمهرين حولهم.

المهم ليس الصخب العاطفي، بل الهدوء والتفكير.

مما علق بذهني في حوار سينمائي شاهدته مؤخرا عن مدرب يعلم شابا ركوب الأمواج والغوص في البحر، وهو قد رآه مذعورا بعد مرور سمكة قرش حولهم في الأعماق، فقال له بعدما صعدوا للسطح: ماذا فعلت تحت؟ قال: كنت خائفا. قال: حتى أنا كنت خائفا، لكن أنت كنت مذعورا، وفرق بين الخوف والذعر، الخوف صحي، والذعر مرضي، الخوف يحفز التفكير لدينا للفهم والنجاة، والذعر يشل عقلنا وقدراتنا.

ربما هذه هي الخلاصة الحالية في هذا كله.

[email protected]