تسعيرتي لا تقل عن 65 فرنكا

TT

دخل عمر بن الخطاب يوما المسجد، فرأى رجلا معتكفا فيه للعبادة، فسأله عمن يعوله فقال: أخي يعمل لسعي رزقه ورزقي ورزق عياله، فقال له: أخوك أعبد منك.

ومما ذكر أيضا عن عمر أنه قال: يعجبني الرجل، فإذا قيل لي إنه لا يعمل، سقط من عيني.

وما أبعد الفرق بيني وبين أمير المؤمنين عمر، فالمسافة بيننا هي نفس المسافة ما بين السماء والأرض، حيث إنني سألت يوما عن (فلان ابن فلان الفلاني) عندما شاهدته في شارع (الشانزليزيه) في باريس، وبيده طوق كلبة صغيرة أنيقة، ويحف به جمع من المرافقين و(السكيورتي)، وسألت من كان معي: ماذا يعمل هذا الرجل؟! فأجابني متهكما من سؤالي: هل أنت عبيط؟! ولماذا يعمل؟ إنه وارث، إنه ملياردير!!

فارتفع بعيني، وتنهدت لا شعوريا قائلا: آه، يا ليتني كنت هو، حتى لو سقطت من عيون الآخرين، «المهم جيبوا لي الرصيد والسكيورتي ولا تنسون الكلبة دخيل الله ودخيلكم».

* * *

جاء في الآداب السلطانية (لابن طباطبا):

«كان التجار يقتفون آثار الجيوش ويشترون العبيد والمجوهرات من الجند والقادة بأبخس الأسعار ويبيعونها بأرباح فاحشة»، وما يروى أنه عندما اكتمل الفتح العربي للأندلس، انحدر موسى بن نصير وطارق بن زياد محملين بآلاف السبايا الحسان والعبيد وكنوز الأندلس البديعة للقاء الوليد بن عبد الملك، الذي كان مريضا يومها، فوجدا في طريقهما أخاه سليمان، فطلب منهما التمهل لعل الخليفة يموت فتؤول إليه كنوز الأندلس ونساؤها وعبيدها، لكنهما فارقاه وواصلا سيرهما إلى دمشق، ولما قبض الخليفة، بسط سليمان على موسى وطارق صنوف العذاب، فماتا حسرة وكمدا.

هذه صفحة من التاريخ التي قلما تذكر، والتي أفتح بعضها بين الحين والآخر كلما تسنى لي ذلك، ومن أراد أن يضحك فليضحك، ومن أراد أن يبكي فليبكِ، وليشاهق كذلك فهذا لا يعنيني، فالتاريخ المؤلم لا يرحم لمن كان له عقل، أما من لم يكن له عقل فسوف أدعه (في جهالته ينعم) إلى أن تخرج الجهالة من مناخيره وغير مناخيره.

* * *

قبل اختراع السيارات كانت توضع في الطرق بفرنسا التسعيرة التالية:

65 فرنكا للبغل، 55 للحصان، 40 للثور، 35 للإنسان، 30 للحمار.

والحمد لله أنني لم أكن ولم أعِش بفرنسا في ذلك الوقت، لأنني لو كنت وقتها فلن أرضى بأي حال من الأحوال أن تكون تسعيرتي أقل من 65 فرنكا، فالمسألة مسألة كرامة.

* * *

إبان دراستي في أوروبا هام غراما أحد أصحابي ببنت عربية كانت تدرس معنا واسمها (دلال)، وبحكم أنها هي هبلا، وهو متقعر لا يحسن ولا يفرق بين ملافظ الحروف، ولا بين (الدال) و(الضاد)، فكان على الدوام يناديها بـ (ضلال)، وكلما ناداها بذلك تستشيط هي غضبا وتقرعه.

وأتاني يشكو لي علته معها. فقلت له: يا (...) دعها في دلالها، واستمر أنت في ضلالك.

ولا أدري هل تلك البنت - الله يذكرها بالخير - انتقلت إلى الرفيق الأعلى، أم أنها ما زالت حية رقطاء ملساء ذات أجراس؟!

الله لا يعاقبني على زفارة لساني وأفكاري.

[email protected]