أزمة البدل النقدي

TT

في العراق كل شيء أزمة، وهنالك إعلام يتصور البعض أنه مؤثر لكنه يدور حول نفسه، ولم يستطع الإعلام العراقي أن يصنع رؤية هادئة لأنه بالأساس إعلام يجعل من أي قضية أزمة، محاولا إقناع نفسه بأنه قادر على صناعة رأي عام عراقي، متناسيا أن الشعب العراقي لم يعد يثق بالإعلام المحلي القائم على ثقافة الاعتراض، وعادة ما يلجأ للإعلام العربي والغربي لمتابعة أحداث العراق صغيرها وكبيرها.

ويكاد يكون موضوع البطاقة التموينية هو الشغل الشاغل للشعب العراقي الذي يجد الكثير منه أن البدل النقدي هو الحل الأمثل الذي يتيح للمواطن شراء مفردات التموينية من السوق العراقية، وله حرية الاختيار بدل أن تفرض عليه مواد بعينها، مضافا لذلك وعد السيد رئيس الوزراء بزيادة المبلغ من 15 ألف دينار (15 دولارا) إلى 25 ألف دينار (حوالي 20 دولارا)، وهو مبلغ سيكون كافيا جدا لأي عائلة عراقية لأن تتبضع مفردات «الحصة التموينية» المتكونة من الزيت والدقيق والرز والسكر.

لكن من انشغل بخبر البدل النقدي البعض ممن يعترضون دائما على أي عملية تقوم بها الحكومة الاتحادية، وعلينا هنا أن نقول بأن قرار البدل النقدي ليس هو قرار رئيس الوزراء بمفرده، بل هو قرار مجلس الوزراء الذي يضم وزراء من كافة الكتل السياسية (الائتلاف الوطني - الكردستاني - القائمة العراقية) وإن صوت رئيس الوزراء مثله مثل صوت أي وزير في الحكومة، وبالتالي فإن عملية الاعتراض هذه من قبل بعض السياسيين يجب أن يدركوا جيدا أن القرار جماعي وليس فرديا، وأن لهذه القوائم والكتل السياسية وزراءها الذين صوتوا للقرار، وتصويتهم بالتأكيد ليس بالخاطئ ولا المتسرع، لأن هنالك لجنة شكلت لهذا الغرض وأبدت بعض الحلول، ومنها هذا الحل الذي لن يضر بالمواطن كما روجت بعض وسائل الإعلام المعروفة والأقلام المعترضة دائما على أي إجراء تتخذه الحكومة، حتى إن بعضهم يعترض إذا ما داهمت القوات الأمنية أوكار الإرهابيين أو اعتقلت المفسدين، ونجدهم يحاولون صناعة أزمة معروفة التوجهات والنوايا والأغراض، بدل طرح الحلول المناسبة.

علينا هنا أن نسأل ما الضير وما الخسائر التي سيتحملها المواطن جراء البدل النقدي؟ هنا السؤال الجوهري، المواطن لن يتضرر، وأجزم بأن أغلبية الشعب مع قرار البدل النقدي، خاصة أننا نصرخ منذ سنوات عن الفساد في البطاقة التموينية، ونحمل الحكومة مسؤولية تردي مفرداتها، وكتب كل المعترضين الآن في السنوات الماضية عن عمليات فساد كبيرة، وملأت مقالاتهم الصحف، وتصريحاتهم الفضائيات، لدرجة أن المواطن اقتنع من خلالهم بأن البدل النقدي حل لا بد منه.

وعندما يأتي الحل من الحكومة يأتي الاعتراض ويحاول البعض أن يجعل من هذا القرار هروبا من مواجهة الفساد، لماذا لا تنظرون له على أنه تجفيف لمنبع مهم من منابع الفساد عبر اتباع آليات جديدة لم تثبت فشلها على الأقل، ولنا سابقة في توزيع مبالغ نقدية في السنوات الماضية، بينما توزيع مفردات أثبت فشلها، ليس على مستوى العراق فقط، بل وصل إلى لجان الأمم المتحدة التي كانت مسؤولة عن برنامج النفط مقابل الغذاء، فيها شبهات فساد على مستوى دولي.

ثم إن نظام البطاقة التموينية هو نظام فيه فساد كثير وتكرار لأسماء وعوائل وهمية وغيرها من الشوائب التي تكتشفها اللجان بين الحين والآخر، وهذا ما يعني أنه لو اتبعت سياقات إدارية كفؤة في توزيع المبالغ النقدية بيسر وسهولة سنكتشف آلاف أو ملايين الأسماء التي لا وجود لها في السجلات الرسمية، بل يمكننا أن نستخدم البطاقة الذكية في توزيع هذه المبالغ، مما يؤمن سرعة وصولها للعائلة العراقية.

بل إن نظام (البدل النقدي) من شأنه أن يؤسس قاعدة بيانات كبيرة ومهمة لمشروع التكافل والضمان الاجتماعي في المستقبل.

ما أريد أن أقوله هنا، أن البعض دائما يعترض على كل قرار تتخذه الحكومة، حتى وإن كان لصالح المواطن، ولعل هذا هو الخطر الذي نخشاه دائما من أن تكون أهداف «الاعتراض» تصب في خانة التعطيل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المعترضين تجاهلوا المبالغ المالية التي ستوزع وانصبت كلمات اعتراضهم على مخلفات سنوات الحصار التي علينا أن نغادرها بسرعة، دون أن يأخذوا بنظر الاعتبار أننا في يوم ما يجب أن نغادر هذه البطاقة دون رجعة، كما غادرنا من قبل الكثير من الأشياء التي ارتبطت بحالة معينة وزمن معين كانت فيها حلا في حينها، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن نظام البطاقة التموينية يستفيد منه الجميع إلا المواطن الذي تصله نوعيات رديئة جدا.. دائما ما تكون محل تذمره.