البحرين في مواجهة الإرهاب

TT

عودة أحداث العنف والإرهاب والتخريب وأعمال الشغب للبحرين، وقتل العمال الآسيويين في مناطق العكر والقضيبية والحورة، وما أدت إليه من مقتل آسيويين نتيجة قنابل حارقة، ومن قبلها بأسبوعين استشهاد أحد رجال أمننا الأوفياء، كشفت عن نيات من تدعي نفسها بجمعية «الوفاق» تجاه الوطن الذي تنتمي إليه ونقول لهم: أمن حقوق الإنسان قتل أفراد جاليات جاءت من أوطنها لكسب الرزق؟ أمن حقوق الإنسان أن يقتل عمال نظافة في ساعات مبكرة من النهار؟ إنها نسخة من استراتيجية زرع الهلع والروع التي ينفذها قائد الحرس الجمهوري الإيراني بحق الشعب السوري واللبناني، وها هم يريدون تنفيذها في البحرين. إنه الإرهاب بعينه يطال البحرين ويخرج المجتمع عن قواعده والأطر الفكرية والقانونية التي يرتضيها المجتمع، والتي يسمح في ظلها بالاختلاف والحوار. أما الإرهاب فهو انتهاك لكل هذا وذاك وللقيم الإنسانية والسياسية السائدة في المجتمع، ولكنهم لا يريدون هذا المجتمع، هم أتباع من نشروا العنف والإرهاب في العالم العربي ومن يقتلون الشعب السوري واللبناني وسنة العراق، إنهم الإيرانيون الحاقدون على العرب.

بعد أن قلنا إن البحرين تعافت، وعادت إليها الحياة الطبيعية بكل مباهجها، أصبح المواطن العادي الآن يتساءل: من المستفيد من وراء كل هذا؟ وهو سؤال يطرحه صاحب كل عقل سليم، وكل مواطن غيور على وطنه. الذين يطرحون هذه الأسئلة هم البسطاء من الناس المتضررين من اشتعال النار في إشارة ضوئية، فتتعطل حركة السير في الشوارع وتتعطل مصالحهم، أو عندما تشتعل النار في مولد كهربائي وتحرم الأسرة من خدمات الكهرباء وتتضرر مصالحهم. إنها البحرين يا سادة، تلك جزيرة تعودت على الحب بين أبنائها والترابط بينهم، جزيرة لا تعرف العدوان والعنف.

الذي حدث ويحدث في البحرين ليس بالشيء الهين، ولذا من الضروري القول إن ما حدث كان متوقعا، وحتى نعرف لماذا كان متوقعا، علينا أن نعرف ماذا حدث في العراق في نفس الفترة، حيث خروج القوات الأميركية من العراق وما أعقبها من وصول حكومة طائفية في العراق إلى سدة الحكم وارتباطها بالنظام الإيراني، كل هذه المتغيرات لها علاقة بما كان متوقعا أن يحدث في البحرين. علينا أن نضع النقاط على الحروف ونسمي الأشياء بمسمياتها وندع كما تعودنا تجاهل الحقائق ونترك التاريخ بعد ذلك ليكشف الأحداث بعد فترة من الزمن.

إن الرؤية الشمولية للأحداث كفيلة بأن تكشف لنا عن هذا المخطط بعد أن عادت المياه إلى مجاريها، وتفسر لنا حقيقة المؤامرة الكبرى على المنطقة الخليجية العربية بالتحديد، إنها لم تعد أسرارا، ولا مجرد احتمالات، إنما هي حقائق دامغة. ما يجب أن يكون مهما هو الدروس المستفادة من المؤامرة التي تمت في البحرين وأرادوا تمريرها تحت غطاء ثورات الربيع العربي، ولعل أهم الدروس المستفادة هو أن ما حدث في البحرين في 14 فبراير (شباط) 2011 هو شأن خليجي بالدرجة الأولى وليس شأنا بحرينيا فقط، بمعني أن المؤامرة هي تهديد لأمن دول الخليج العربي وليس للبحرين، ولذا فإن التشاور وتبادل الرأي بين قادة هذه الدول هو أمر ضروري، وخصوصا في ما يتعلق بالوضع الأمني لدول المنطقة، وهو ما يجب أن يكون في أول سلم الأولويات. وإن الحديث عن الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في آخر مؤتمر قمة لدول مجلس التعاون هو تعبير واستشعار لخطورة الوضع، وهو ليس غاية في حد ذاته، إنما هو وسيلة لتحقيق غاية أهم، وهي حماية الأمن الخليجي.

والحقيقة التي يجب أن تكون حاضرة دائما بيننا هي أن دول المنطقة يجب أن تعتمد على نفسها لحماية أمنها، وليس على أي طرف خارجي مهما بلغ من القوة، ويجب أن تكون هناك اتفاقيات تحدد العلاقة بين دول الخليج والدول الأخرى، تبنى على المصالح المشتركة بحيث لا تعطي هذه الاتفاقيات الحق للطرف الآخر بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وأن هذه الدول هي أدرى بمصالحها، وأن عهد الوصايا الخارجية قد ولى وانتهى. كذلك على دول المنطقة تعزيز علاقتها بالدول العربية المجاورة وخصوصا اليمن والأردن، لأن هاتين الدولتين تمثلان الامتداد الجغرافي والاستراتيجي لدول الخليج العربي، ويشمل التعاون الاتفاقيات العسكرية والأمنية.

من ناحية أخرى، يجب أن يكون معلوما عند قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن ما يحدث في سوريا من تداخل قوى إقليمية على الخط يحتم ضرورة التنسيق الأمني، خصوصا بين دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا أن إيران هي إحدى الدول الرئيسية المساندة للنظام السوري، وهي في نفس الوقت جارة دول الخليج، وقادة إيران دائما ما يتوعدون ويهددون دول الخليج العربي. من هنا قد تلجأ إيران إلى الورقة الخليجية إذا ما اقتضى الأمر ذلك، وعليه يجب أن توضع كل الاحتمالات على الطاولة، بما فيها تدخل إيراني في دول الخليج العربي لخلط الأوراق في حالة سقوط النظام السوري. ومما يعطي هذا الاحتمال قوته هو أن إيران في وضع حرج داخليا وخارجيا؛ ففي الداخل هناك استياء في الشارع الإيراني من سياسة قادتهم في التدخل في شؤون الدول الأخرى، والوضع الاقتصادي المتدهور بسبب العقوبات الدولية والأوروبية، والتزامات إيران تجاه النظام السوري الآيل للسقوط، كلها متغيرات تجعل إيران تقدم على خطوة، وأرجحها عمل عسكري ضد دول الخليج العربي.

ما يثلج صدورنا وبما لا يدع مجالا للشك أن البحرين تملك جبهة داخلية قوية، وهذه ليست أول مؤامرة تتعرض لها البحرين، ففي الثمانينات والتسعينات تعرضت البحرين لمثل هذه المؤامرات، وما دام النظام الإيراني يسيطر عليه الراديكاليون فأمننا الخليجي مهدد، ويجب ألا نستبعد حدوث مثل هذه المؤامرات. إنما الأمر المهم هو الأمن الخليجي ككل، خصوصا أن معطيات الواقع تؤكد أنه ما دام النظام الإيراني موجودا، فهو يمثل التهديد لكل دول الخليج العربي، بدءا من احتلاله للجزر الإماراتية، وتدخله في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي، وأطماعه التوسعية فيها، وخصوصا بعد التغيرات التي حدثت في العراق ووصول حكومة طائفية موالية لإيران، هذا يعطي إيران قوة أكبر للتدخل، لكي تكون مصدر خطر لدول الخليج العربية.

نحن لا نزايد، ولكن الواقع يتحدث عن نفسه، أن إيران تستغل كل ظرف عربي لكي تتدخل وتكسب مزيدا من المواقع، وما تدخلها الأخير في السودان بعد أن وجهت إسرائيل ضربة لمنشآت صناعية في السودان ودخول إيران على الخط وإرسالها لبوارج حربية استغلالا للوضع، إلا دليلا على أن إيران وصلت إلى مرحلة تكون فيها على استعداد للقيام بأي عمل من أجل إنقاذ الوضع الذي وضعت نفسها فيه. ستتحدث الأيام والأحداث عن نفسها في الفترة القادمة، لصحة ما نقول بأن مواجهة قوية قادمة، وذلك لأن إيران بدأت كل الحلقات تضيق عليها، وبالتالي لن يكون لديها إلا طريق واحد تسلكه، وهو «عليّ وعلى أعدائي».

دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن تسير في طريق تنسيق أسرع في مواقفها، لأن الأحداث المحيطة بها هي بدورها تسير بسرعة مطلقة، لا تصلح سياسة الفعل ورد الفعل، إنما يجب أن تكون هناك اجتماعات مستمرة حتى ولو كانت على مستوى وزراء خارجية هذه الدول، خصوصا في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية المضطربة. وحفظ الله دول الخليج من كل مكروه.