تركة صدام

TT

هناك مشكلة لم يلتفت إليها أحد بالنسبة لتركة صدام حسين، لم يفكروا بها لا في بغداد، ولا واشنطن. أقصد بها مخلفات صدام وزبالة حزب البعث، ألوف الكتب والنشرات والتصاوير والكاسيتات والأفلام المتعلقة به. سيقول القارئ دعهم يحرقوها ويتخلصوا منها. ولكن هذا شيء يصعب تطبيقه في هذه الأيام التي يحرص الناس فيها على البيئة والجو، ولا سيما في العراق الذي طفحت سماؤه وأرضه بالسموم. يعني خطب صدام وأقواله موّتت الناس في حياته وظلت تميتهم بعد مماته.

هذه مشكلة. وهي في العالم الغربي مشكلة مكلفة لأنه لا يجوز عندهم حرقها أو رميها في مجاري المياه القذرة خوفا أن تتسخ بها هذه المياه. وهذا شيء عرفته في لندن قبل سنوات في نطاق عمل السفارة العراقية. فكلما حصل انقلاب بادرت الحكومة الجديدة إلى إصدار مطبوعاتها الدعائية. تمتلئ السفارة بها. بعد أشهر قليلة، يحدث انقلاب آخر، وتأتي حكومة أخرى. وبالطبع، ودون كلام، تأمر بإزالة تصاوير النظام السابق ومطبوعاته.

يتلقى البواب، التعليمات بإزالة هذه الزبالة، خطب الرئيس السابق وتصاويره ومؤلفاته. يأتون بالحمالين وينقلونها إلى السرداب. بضعة أشهر، ويحصل انقلاب آخر وتتكرر العملية. يلتفتون للبواب، يا مستر مكان، أرجوك شيل هذي الزبالة وخلصنا منها. هذا الرئيس السابق كان خائنا ولصا. يأتي الحمالون ويحملون كل خطبه وتصريحاته للسرداب. وتكررت العملية حتى امتلأ السرداب بزبالات الأنظمة البائدة المتوالية. جاء يوم ودخل المستر مكان على السفير. سيدي هذي الزبالة ملأت السرداب. ما بقي مكان. يعني، إذا سقطت هذه الحكومة أيضا، أين سنضع زبالتها؟ لا بد من حل. والحل هو تكليف إحدى شركات القمامة لتتولى الأمر. وهي عملية كلفت السفارة عدة آلاف من الباوندات. بضعة آلاف لطبع تلك المطبوعات ثم عدة آلاف لإتلافها.

لا أدري كم بقي في المخازن من مؤلفات بطل القادسية وخطبه وتصريحاته وتصاويره. كم سيحتاجون من وقت وأموال للتخلص من كل هذه الأطنان من المخلفات؟ وهي في كل سفارات العراق ومؤسساته ومدارسه وكلياته.

إذن ما العمل وكيف يتم تنفيذ ذلك؟ أعتقد أنه يجب طرح الموضوع على الأمم المتحدة لتخصيص حصة من واردات النفط لهذه المهمة، صيانة البيئة من أوساخ الديكتاتورية وقاذورات الحكم ومخلفات الكلام الفارغ. فمن دون ذلك ستبقى مكاتب ومخازن المؤسسات والشوارع والساحات العامة مليئة بمخلفات صدام حسين وزبالات حزب البعث.

ولكن ربما نجد حلا آخر. أعتقد أن من الممكن الاستفادة من أكوامها المكدسة كمادة للردم نردم بها المستنقعات والمناطق الموبوءة والمقابر الجماعية. لا، بل وأكثر من ذلك نردم بها الخليج العربي ونكسب بضعة أميال نضيفها إلى تربة العراق ونوسع بها ميناء أم قصر. لم يستفد العراق بأي شيء من صدام حسين، دعونا نستفد من هرائه وكلامه الفارغ. نرمي بها على ساحل الخليج ونصب عليها قاذورات مدينة البصرة ونتركها للشمس لتحولها إلى أرض يابسة نضيفها لبلدنا ونكتب عليها، ميناء زبالة البعث.