اختبارات السياسة الخارجية التي تواجه أوباما

TT

في معرض حديثه عن السياسة الخارجية على مروج البيت الأبيض الصيف الماضي، لمح الرئيس أوباما بقوة إلى أن «انتظروا لما بعد فوزي بفترة رئاسية ثانية». الآن، حانت اللحظة، ومشكلات العالم تقف منتظرة أوباما كي يعيرها اهتمامه.

للتعامل مع هذه المشكلات سيضطر أوباما إلى اتخاذ قرارات من النوع الذي أجله في بعض الأحيان خلال فترة رئاسته الأولى. هذا الوقت قد ولى بالنسبة لهذا النهج الحذر (عادة ما يكون مقبولا) الذي يوصف بـ«القيادة من الخلف». وفي ما يلي بعض القضايا الدولية الملحة بعد فوز أوباما..

• الصين هي الفرصة الأكبر والخطر المحدق. فالقيادة الجديدة التي يرأسها تشي جينبينغ ستتولى مقاليد الحكم في البلاد، لكن الانتقال المضطرب يذكر الصينيين والأجانب على حد سواء بالاضطرابات أسفل هذا السطح البراق، إذ تلجأ الدول الناشئة في بعض الأحيان إلى القومية كوسيلة للحفاظ على الترابط الداخلي، وهو ما تجلى بقوة في حملة بكين في بحر الصين الجنوبي. كانت استجابة أوباما تتمثل في «إعادة توازن القوة العسكرية نحو آسيا»، لكن تلك كانت نصف الإجابة، فالدبلوماسية تشكل أهمية أكبر.

يسافر أوباما لحضور قمة آسيا التي ستعقد في كمبوديا هذا الشهر. لن يتوقف في الصين هذه المرة (جزئيا بسبب التحول غير المكتمل في القيادة)، لكنها ستمثل أولوية العام القادم. وسيتمثل التحدي في بناء حوار مع بكين يمكن من خلاله تجنب مواجهات عسكرية عادة ما تنشأ عندما تواجه قوى صاعدة مثل الصين قضايا ملحة من هذا النوع.

ويشير غراهام أليسون، الأستاذ بجامعة هارفارد، إلى أن أوباما يدرس نسخة الرئيس جون إف كيندي من استراتيجية «القواعد غير الثابتة للوضع القائم» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، والتي طرحها في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية، وشملت قيام حوار منتظم حول المصالح الاستراتيجية، وأن أيا من الجانبين لن يتخذ خطوات استفزازية في الباحة الخلفية للآخر. وينبغي على أوباما أن يقوم برعاية حوار مماثل مع قادة الصين الجدد.

• تشكل إيران الخطر الأكبر للحرب وفرصة سانحة في الوقت ذاته لتحقيق تقدم دبلوماسي. كان وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي والوسطاء الآخرون يلقون ببالونات اختبار، لكن أوباما يرغب في التأكد من أن المرشد الأعلى علي أكبر خامنئي يدعم هذه المقترحات. من المتوقع أن يعقد لقاء آخر بين دول مجموعة «5+1» وإيران خلال الشهر المقبل، لكن التفاوض الحقيقي ربما يحدث في اللقاء الثنائي الذي يبدو أن كلا من طهران وواشنطن ترغبان فيه، والذي ينبغي أن يعقد عاجلا قبل آجل.

ما هي الصيغة الأفضل للاتفاق؟ يؤكد أليسون أنه على الولايات المتحدة وإسرائيل التوقف عن الحلم بشأن التوصل إلى اتفاق مثالي والإعداد لـ«اتفاق قبيح»، كذلك الذي أنهى أزمة الصواريخ الكوبية. أنا أتفق معه في أن صيغة «قبيح» مقبولة، وهي الصيغة التي توقف بصورة لا لبس فيها إيران عن امتلاك قنبلة نووية، وعن القدرة على تحقيق تقدم نحو التسليح بشكل أسرع من قدرة الولايات المتحدة على منعه.

• أفغانستان هي المكان الذي يتوقع أن تأتي منه الأخبار السيئة. فقد تحدث أوباما خلال حملته كما لو كان انسحاب القوات الأميركية بحلول 2014 هو مجرد وضعهم على طائرات. لكن استراتيجية الخروج الأميركية تعتمد على القوات الأمنية الأفغانية القادرة على تولي المسؤولية ومنع وقوع حرب أهلية، وهذا يبدو مثيرا للشكوك إلى حد بعيد. فقد حذر تقرير أكتوبر للمفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان صراحة من أن «الحكومة الأفغانية لا يتوقع أن تكون قادرة على دعم منشآت قوات الأمن الوطني الأفغاني بشكل كامل بعد نقل القيادة إليها عام 2014».

العنصر الغائب هو التحول السياسي لمصاحبة الانسحاب العسكري. وإذا لم يتمكن أوباما من إنشاء هذه الديناميكية، فسوف تنهار استراتيجيته للخروج من أفغانستان.

• الشرق الأوسط هو المكان الذي يصنع فيه الرؤساء إرثهم ويذرفون دموعهم. وفي الشرق الأوسط يواجه أوباما ثلاثة تحديات كبرى هي الحرب الأهلية السورية التي يتسع نطاقها، وترسيخ الديمقراطية في مصر، وإصلاح مسار عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية. هذه المناطق الثلاث تظهر قيود القوة الأميركية - كفشل الأسبوع الماضي في توحيد المعارضة السورية. لكن التعافي من الفشل جزء من فن الدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهو ما تنتظره سوريا.

وفي التعامل مع مشكلة سوريا ومصر وفلسطين يحتاج أوباما إلى أمر كان نادرا للغاية في الفترة الرئاسية الأولى؛ جولة من الاتصالات السرية لتشكيل لاعبين محليين يمكن أن يكونوا شركاء لأميركا في السلام. هذا يعني اتصالات هادئة مع الجميع بدءا من الرئيس المصري محمد مرسي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم (حيث تجرى الانتخابات الإسرائيلية في فبراير/ شباط، وليس بالضرورة بنيامين نتنياهو، الذي خسر رهانا مكلفا على رومني).

الإشارة التي أعلن عنها البيت الأبيض هي الانفتاح على الأعمال التجارية، لكن في البداية ينبغي أن تكون هناك بعض المحادثات الاستراتيجية، وبعض التفكير الاستراتيجي بشأن القيادة من المقدمة.

* خدمة «واشنطن بوست»