ما رأي الناخبين الأميركيين الحقيقي في الاقتصاد؟

TT

في أعماق نتائج انتخابات يوم الثلاثاء رؤية مفاجئة إلى حد ما بشأن طريقة تفكير الأميركيين في الظروف الاقتصادية التي تؤثر عليهم.

ومع كل الشعور بالسخط من الظروف الاقتصادية الذي يعتمل في الدولة، فإنه في الأغلب، ذهبت أصواتهم لصالح الوضع الراهن: سوف يظل الرئيس أوباما في البيت الأبيض، وسوف يظل مجلس الشيوخ تحت قيادة أغلبية ديمقراطية مريحة – ولكنها ليست ساحقة، فيما سيظل مجلس النواب في أيدي أغلبية ضخمة من الحزب الجمهوري. بفرز استقصاءات ما بعد الخروج من مكاتب الاقتراع، نكتشف بعض دقائق الأمور التي تكمن فيما وراء تلك المطالبات الكبرى. فيما يلي بعض الاستنتاجات التي يمكن أن تشتق من ذلك الاستقصاء؛ بعض التفاصيل تأتي على نقيض ما يرى الاقتصاديون أنهم يعرفونه عما يجري في العالم.

الركود كان مختلفا: كان هناك جدال شائق إبان الحملة الانتخابية حول ما إذا كان يجب تقييم الانتعاش الاقتصادي للدولة في عهد أوباما على أساس مقياس الحالات الأخرى من التعافي من الركود الحاد في الولايات المتحدة (مثلما أشار عدد من الاقتصاديين الذين يؤيدون المنافس ميت رومني)، أو على أساس مقياس الاقتصادات التي تحاول النهوض من الأزمات المالية (مثلما أشار هؤلاء المؤيدون لأوباما).

يختار المقياس المعياري صنع اختلاف كبير بشأن ما إذا كان الشخص ينظر للانتعاش البطيء تحت قيادة أوباما باعتباره مصدر إحباط ناتجا عن إخفاق رئيس أو ما إذا كان ينتهج المسار الصحيح، بالنظر إلى الظروف الصعبة التي ورثها أوباما في يوم التنصيب السابق.

من المتوقع أن يكون عدد قليل جدا من الناخبين قد أمضى فترة الاستعداد للانتخابات في إعادة قراءة استنتاجات كارمن راينهارت وكينيث روغوف بشأن الأزمات المالية الدولية، وربما فاتهم الجدال الذي تجلى في مدونات الاقتصاد وصفحات الرأي في الصحف، لكن يبدو أن الناخبين كانوا متعاطفين مع الرئيس في هذه القضية الهامة.

استفسر أحد أسئلة استقصاء ما بعد الخروج من مكاتب الاقتراع حول ما إذا كان الناخبون يلقون باللائمة في المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الأمة على أوباما أم جورج بوش الابن. بعد نحو أربع سنوات من مغادرة بوش البيت الأبيض، ألقى 53 في المائة من الناخبين اللوم عليه، في مقابل 38 في المائة ألقوا باللوم على أوباما، حتى إن نسبة 12 في المائة من المصوتين لصالح رومني لاموا بوش على المشكلات الاقتصادية التي تعانيها الدولة. من المحتمل أن تنعكس تلك الآراء بدرجة أكبر على السمات الشخصية للرجلين لا على تقييم ضمني حول ما إذا كان التعافي البطيء نتيجة مباشرة للسياسات التي سبقته. إلا أن البيانات تشير إلى أن الناخبين كانوا على استعداد لتوقع هذا الانتعاش بناء على معيار آخر، بالنظر إلى جذوره.

التضخم مشكلة كبرى. بالنسبة للاقتصاديين، يعتبر التضخم هو الكلب الذي لا يعض. ورغم المخاوف بين المعلقين من أن تتسبب سياسات الائتمان الميسر التي ينتهجها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ارتفاع الأسعار، فقد ارتفع مؤشر سعر المستهلك بنسبة 2 في المائة خلال العام الماضي، وهو المستوى الذي كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي يطمح إليه. يتوقع المستثمرون معدل تضخم سنوي نسبته 2.07 في المائة فقط في أسواق السندات خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

لا تخبر الناخبين بذلك. أشار قرابة 37 في المائة إلى ارتفاع الأسعار بوصفه أكبر المشكلات الاقتصادية، وهي النسبة التي ترتبط بشكل جوهري بنسبة الـ38 في المائة التي أشارت إلى البطالة. (تمثلت الاختيارات الأخرى في الضرائب، بحسب نسبة 14 في المائة، والإسكان، بحسب نسبة 8 في المائة).

لقد ارتفعت أسعار الغازولين وبعض السلع الرئيسية الأخرى منذ أن تولى أوباما السلطة، لكنه بدأ فترة رئاسته وقتما كانت تلك التكاليف منخفضة بشكل مصطنع نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية. منذ بداية عام 2011 تذبذبت أسعار الغازولين ما بين الارتفاع والهبوط في إطار مدى يتراوح ما بين 3.20 دولار إلى 4 دولارات للغالون، دون أن تظهر اتجاها صعوديا. بلغ متوسط السعر الوطني لغالون الغاز 3.46 دولار يوم الأربعاء، وهو ما يمثل هبوطا عن أقصى سعر وصل إليه وهو 4.13 دولار يوم 15 يوليو (تموز) 2008.

ربما يكون الناخبون محبطين من أنه رغم أن تكلفة السلع قد ارتفعت (بمعدل منخفض نسبيا بموجب المقاييس التاريخية)، فإن الأجور لم تسجل ارتفاعا. وفي تلك الحالة، تتمثل شكواهم الحقيقية في أن النمو الاقتصادي الضعيف ومعدل البطالة المرتفع يؤديان إلى إبقاء الأجور متدنية.

في الوقت نفسه، ربما تفسر استقصاءات الخروج من مكاتب الاقتراع جزئيا حالة عدم الترابط الشائع في جلسات الاستماع في الكونغرس بين الاقتصاديين، مثل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بين بيرنانكي، الذي يركز على تأثيرات معدل البطالة المرتفع، وينظر لمعدل التضخم بوصفه يمكن احتواؤه بشكل جيد، والساسة الذين يفكرون في سعر الغاز ومواد البقالة.

العجز في الموازنة لا يأتي على رأس اهتمامات الناخبين في واشنطن، ظلت مسألة كيفية تقليل العجز في الموازنة على رأس الأولويات منذ عامين حتى الآن. وقد سيطرت على الجدال المثار حول سقف الديون في عام 2011، وتعود إلى الساحة مجددا مع استعداد الكونغرس والرئيس للتفاوض من أجل الوصول لحل لـ«المنعطف المالي» - من المقرر أن يتم تفعيل الزيادات الضريبية وتقليل النفقات في مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل.

ينصب تركيز الناخبين على أمور أخرى.

أشارت نسبة 15 في المائة فقط إلى العجز في الميزانية بوصفه المشكلة الأساسية في استقصاءات ما بعد الخروج من مكاتب الاقتراع. كان ذلك أقل بكثير من العدد الذي أشار إلى الاقتصاد (59 في المائة)، وحتى أقل من هؤلاء الذين أشاروا إلى الرعاية الصحية (18 في المائة). ربما يكون جعل النواحي المالية للدولة تتبع مسارا أكثر استدامة أمرا ضروريا، غير أن الحافز للتحرك بشكل أسرع لا يأتي من الناخبين أنفسهم.

هذه منطقة تتوافق فيها آراء الناخبين بشكل عادل مع ما تقوله الأسواق المالية. يتمثل السبب المعتاد وراء كون أوجه العجز في الموازنة ضارة، هو أن الاقتراض الحكومي يتسبب في رفع أسعار الفائدة، وفي ابتعاد القطاع الخاص عن الاستثمار. ربما تؤدي المستويات المرتفعة من الدين بالمستثمرين إلى فقدان الثقة في قدرة الحكومة على السداد، مما يؤدي إلى أزمة مالية، مثلما يتجلى في حالتي اليونان وإسبانيا.

غير أنه لم يكن ارتفاع الدين أو ذعر المستثمرين مشكلة خطيرة في الولايات المتحدة. تكون أسعار الفائدة منخفضة طوال الوقت، ولا تواجه الشركات أي مشكلات في اقتراض أموال بأسعار فائدة منخفضة عن طريق إصدار سندات. بإمكان الحكومة الأميركية اقتراض أموال على مدى عقد بنسبة 1.68 في المائة، مما يشير إلى أن أي مخاوف من حدوث أزمة مالية أميركية بعيدة المنال، على أفضل وجه.

* خدمة «واشنطن بوست»