روسيا تحبط الحظر الجوي بصواريخ «سام 300»

TT

ارتكبت خطأ في حديث الثلاثاء. وما أكثر الأخطاء في حياتي. فقد أدرجت اسم الراحل رفيق الحريري، محل اسم منافسه الدكتور سليم الحص. فبدا وكأن الراحل الكبير هو الذي عاش 83 سنة.

رحم الله الحريري. فقد اغتيل في الستين من العمر. وكان في أتم صحته. وفي ذروة نشاطه السياسي. أما الحص فهو اليوم في الثالثة والثمانين. شُفي الحص من السلطة. وما زال يعاني من داءين لا شفاء منهما: الربو. والسياسة.

وأما بشار فقد أبلغ وكالة أنباء بوتين أنه يريد أن يموت سوريًّا. أدعو الله، جلّت حكمته وإرادته، أن يستجيب لطلبه، قبل أن يحرق المنطقة كما يهدد، إذا ما غزاه فرنسوا هولاند مع باراك أوباما. ثم يتحسر على نفسه سلفا، زاعما أنه «العلماني» الوحيد من المحيط إلى الخليج. فأين إذن بشار «الطائفي» الذي تسبب بمقتل 35 ألف سوري؟!

ساعة الصفر تقترب. تصريحات بشار هروب إلى الأمام. غير أنها توحي بالخسارة والهزيمة. هناك حديث لأول مرة عن الموت. وعن تمويت العالم معه. وكأنه موسوليني الذي كان يهدد العالم بخمسة ملايين حربة، تبيَّن أنها من عيدان المعكرونة.

الوضع الميداني في حالة عد تنازلي نحو النهاية. الدائرة الآمنة تضيق رويدا. رويدا. فالعاصمة باتت محاصرة. الضواحي كلها مشتعلة. الشبيحة ظهروا على الشاشة مذهولين. محبطين، بعد تفجير وكرهم، في المستوطنة العلوية، في حي المزة.

معنويات القوات النظامية في الحضيض. لجأ عشرات الضباط الكبار إلى تركيا والأردن. بقي الطيران السلاح الوحيد. الطيارون العلويون يقودون المروحيات. طيارون إيرانيون يتولون الإغارة بالطائرات النفاثة على المدن المنكوبة. خسائر الثوار والمدنيين كبيرة. لكن الطيران لن يحسم الحرب، قصفت أميركا فيتنام بطائرات «بي 52». وزن القنبلة طن كاف لتدمير مساحة ملعب لكرة القدم. في النهاية، دق الثوار أعلامهم بقبضاتهم في سايغون (مدينة هوشي منه لاحقا).

ماذا في جعبة القيصر بوتين، لإبقاء البهلول بشار واقفا على قدميه؟ قوميسار الدبلوماسية سيرغي لافروف يتحدث عن صواريخ ستينغر أميركية في أيدي الثوار. ثم تبين أن الادعاء حجة ومقدمة، للكشف عن اتفاق، لتزويد النظام العلوي بصواريخ «سام 300» فخر سلاح الدفاع الجوي الروسي الذي رفض بوتين تسليح نجاد وخامنئي به.

لماذا هذه العجلة الصاروخية؟ لأن بوتين الذي سرح جنرالاته الكسالى ووزير دفاعه، بات يرجح أن يتدخل الغرب في سوريا، بعدما لم يعد من الممكن، عالميا، السكوت عن مجازر بشار ضد شعبه.

بأي أسلوب قد يتدخل الغرب؟ تركيا العضو في حلف الناتو تتحدث عن احتمال نشر صواريخ «باتريوت» المضادة للصواريخ، على طول حدودها مع سوريا. هذه الصواريخ قادرة على اعتراض وتدمير قذائف وصواريخ الطيران الذي يدك مدن وقرى الحدود، والمنطقة الشمالية السورية «المحررة».

وهذا يعني أنه بات بالإمكان فرض حظر جوي على سوريا الشمالية. وإذا ما نشرت صواريخ مماثلة في الأردن، فسيتم عمليا شل وتحييد الطيران السوري في الشمال والجنوب، الأمر الذي سيسرِّع بانهيار النظام خلال أسابيع قليلة.

اضطرار الناتو وأميركا لاحتمال العمل خارج «شرعية» مجلس الأمن، ينسجم مع شرعية مبادئ حقوق الإنسان. إنها حرب بضغط الأزرار. لا بالدبابات. وحتى لو دُعم الحظر الجوي بالطائرات، إلى جانب الباتريوت، فهي ليست بحاجة إلى انتهاك الأجواء السورية. الطيران الحديث يستطيع الاشتباك بصواريخ (جو - جو)، عن بعد، من دون أن تتواجه الطائرات وجها لوجه.

غير أن الحظر الجوي لن يكون على هذه السهولة المبسَّطة التي رويتها. فصواريخ «سام 300» قادرة على شل الطيران الغربي وصواريخ باتريوت. ذلك يعني احتمال نشوب أزمة سياسية حادة بين الغرب وروسيا. وربما هذا ما يعنيه بشار عندما يلمح إلى اشتباك عالمي.

كي لا يتحول الاشتباك إلى حرب نووية عالمية، يتحتم على الرئيسين أوباما وبوتين، عندئذ، التوصل إلى تسوية بتقديم تنازلات متبادلة، كتضحية بوتين ببشار، في مقابل إقامة «نظام متوازن» في سوريا، تتمثّل فيه أطراف اللعبة الداخلية، بما فيها النظام العلوي. كذلك إرضاء إيران وروسيا، بالمحافظة على مصالحهما في سوريا والمنطقة، في مقابل تعهد إيران بالكف عن مواصلة مسعاها لامتلاك القنبلة المخيفة.

هذه الاحتمالات تقودنا إلى مراجعة ما حدث في «الدوحة» القَطَرية. أقول سلفا إن التمسك بحشد ودمج ما هبَّ ودبَّ، من تنظيمات وتيارات سياسية سورية، تحت الطربوش المهترئ للمجلس الوطني السوري، أمر غير عملي. ربما كان تشكيل لجنة تنفيذية، على غرار منظمة التحرير الفلسطينية، هو الحل الأفضل الذي يُعفي هذه التنظيمات من التخلي عن كياناتها، والاندماج المستحيل في كيان واحد.

اختيار مسيحي (الشيوعي السابق جورج صبرة) رئيسا للمجلس الوطني هو أفضل ما حدث في الدوحة. أسوأ ما حدث هو سيطرة الإخوان المسلمين على المجلس، بدعم من قطر. تركيا. مصر.

النضال في الميدان. وليس على الشاشة. هنا يبقى على قطر أن تقوم بشحن المجلس الوطني، من فنادق الدوحة، إلى خنادق الثورة. لكي يقدم أعضاؤه المشورة السياسية، إلى فصائل الجيش السوري الحر المتناحرة، وإلى الخلايا «الجهادية الحربية» والكردية. فسوريا ليست العراق، حيث يستمر «الجهاد» بقتل المجتمع، أو تستمر مساعي الانفصال، بإنشاء مناطق حكم ذاتي غير مقبولة سوريًّا. أو تركيًّا.

لست ضد التدخل الخليجي في سوريا. الخليج ليس إيران. الخليج عربي. وتحكمه غيرة عربية على سوريا. قطر دولة عربية. لكن عليها بيان هدفها السياسي. فما حدث في الدوحة أمر شديد الغموض والالتباس.

أكاد أنسى رياض حجاب الذي سعى إلى «منصب قيادي» في المجلس الوطني. كان من الأفضل له أن يسعى مع رفاقه الحزبيين المنشقين، إلى إعادة بناء «البعث» كحزب ديمقراطي يستعصي على «الاجتثاث»، على الطريقة البغدادية.

لكن ماذا عن رياض الآخر؟ رياض سيف؟ أحسب أنه بحاجة إلى «دش» بارد، للتخفيف من غلواء شعبويته «الثورية». السياسي، في الظروف الاستثنائية، يحتاج إلى أعصاب باردة. رياض سيف تقلب كثيرا: مع بشار وضده. تارة في الوطن. وأخرى في المنفى. ضد أميركا ومعها. مع المجلس الوطني وضده. يحضر. يغيب. يعود. فلا تعرف أهو «حبيبي» أم «عدوي»؟!

إذا كان الهدف وضع أي كيان سوري معارض تحت المظلة الأميركية، كما يقترح رياض سيف. أو تحت المظلة الإخوانية، كما تسعى الدول المشار إليها. ثم تقديمه كبش فداء على طاولة الحوار مع بشار، كما يسعى الوسيط الأخضر الإبراهيمي. فكل ذلك هو بمثابة حرمان للثورة من استكمال نصرها النهائي.

إخفاق الثورة كارثة لن تصيب عروبة سوريا فحسب، إنما ستصيب أيضا عروبة الخليج. استقراره. أمنه. تحطيم الثورة يعني مواصلة إيران هيمنتها على سوريا بشار، وعلى لبنان حسن حزب الله، وحكومته.