التعايش مع الإرهاب في سيناء

TT

في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، قتلت جماعة إرهابية مسلحة ثلاثة من رجال الشرطة، بعد مهاجمة سيارتهم بمدينة العريش، عاصمة شمال سيناء. وأعلن التلفزيون المصري عن مصدر أمني قوله: «هاجم مسلحون قد يكونون من عناصر مجموعة جهادية، آلية تابعة للشرطة، وأطلقوا النار على ركابها قبل أن يلوذوا بالفرار. وبينما كانت مصر تبكي ضحاياها من رجال الشرطة، أكد ياسر علي (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية) أن «الأوضاع الأمنية في سيناء أكثر استقرارا»، وأن «ضبط الأوضاع يتم من خلال الحوار»، فلا حاجة لملاحقة القاتلين. وكما حدث من قبل، عندما قتل الإرهابيون 16 جنديا في رفح، لا عزاء للجنود والضحايا الذين يسقطون كل يوم على يد جماعات الإرهاب التي صارت تهدد الأمن في سيناء بشكل مستمر.

وعندما تجمع أفراد الشرطة أمام مديرية أمن العريش مطالبين بحمايتهم؛ من مسلحين إرهابيين، دون أن يكون لديهم وسائل يدافعون بها عن أنفسهم، لم يستطع وزير الداخلية الاستجابة لمطالبهم، فقرر إقالة مدير أمن شمال سيناء امتصاصا للغضب. ومنذ مقتل حرس الحدود، عندما لم تتم معاقبة الجناة أو حتى البحث عنهم، تشجع الإرهابيون للقيام بكثير من عمليات الخطف للرجال والأطفال، مما اضطر رجال الشرطة إلى الانسحاب خارج مدينة العريش خوفا منهم.

ثم ذهب الفريق عبد الفتاح السيسي (القائد العام للجيش ووزير الدفاع) إلى مدينة العريش «لتفقد الأوضاع الأمنية»، وقرر تسليم أقسام الشرطة إلى قوات الجيش. ومن المعروف أن السيسي قام بعدة زيارات لسيناء من قبل لتفقد الأوضاع، ولكنه لم يتخذ أي إجراءات لمواجهة جماعات الإرهاب التي يبدو أنه قرر التعايش معها؛ فقبل تعيينه قائدا للجيش في 12 أغسطس (آب) الماضي، كانت قوات الجيش المصري قد دخلت سيناء في أعقاب مقتل حراس الحدود، لتطهير المنطقة من الجماعات الإرهابية وتجار المخدرات. وقامت وحدات الجيش بالانتشار لأول مرة في جميع أرجاء محافظة شمال سيناء منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل في 1979، ووصل إلى العريش أسطول مكون من 60 دبابة و15 مدرعة و20 عربة مصفحة، وبدأ إغلاق الأنفاق مع غزة. وأعلن الجيش أن الهدف من هذه العملية هو «إنقاذ سيناء من تفشي ظاهرة الإرهاب ومن استهداف المجرى الملاحي لقناة السويس وإسرائيل والمنتجعات السياحية بجنوب سيناء».

لكن الوضع سرعان ما تغير تماما منذ مجيء السيسي لتفقد الأوضاع، حيث لم تستمر قوات الجيش في عملها للبحث عن الجناة واستئصال الجماعات الإرهابية من شبه الجزيرة، مكتفية بالحوار والتعايش السلمي معها. وأقفل ملف جنود الحدود المقتولين، دون الإعلان عن نتائج التحقيق والتعرف على قاتليهم.

منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من وجود قوات الجيش في سيناء، صارت عمليات قتل المواطنين ورجال الشرطة تتم بصورة عادية وتنسب عملياتهم إلى «مجهولين» لا يتم البحث عنهم. وقد اشتكت زوجات أربعة من رجال شرطة رفح؛ ثلاثة ضباط وأمين شرطة، من عدم اهتمام السلطات، وتقدمن ببلاغ إلى النائب العام عن قيام إحدى الجماعات التكفيرية بخطف أزواجهن أثناء قيامهم بحماية الحدود مع قطاع غزة، وتسليمهم إلى جيش الإسلام الفلسطيني، الذي استخدمهم كرهائن لإجبار الحكومة المصرية على الإفراج عن بعض العناصر الإرهابية الموجودة في السجون المصرية.

وتعليقا على مهاجمة سيارة الشرطة بالعريش، قال الدكتور صالح محمد بكلية تربية العريش لجريدة «الأهرام»: «الأمر يتطلب إعادة التفكير في أمن سيناء بتحديد هوية المنفذين ومهاجمتهم». (9/11/2012)، كما دعت وزارة الخارجية البريطانية مواطنيها إلى عدم السفر إلى سيناء، إلا للضرورة القصوى، لاحتمال وقوع أعمال إرهابية. وكان بيان الخارجية البريطانية قد ذكر أن «مصر كلها تعاني من هجمات إرهابية محتملة» خلال الفترة المقبلة. وبدلا من مطالبة حكومتهم بحماية السائحين خوفا على تضرر الاقتصاد المصري، أدان اتحاد المصريين في أوروبا تحذير بريطانيا رعاياها من السفر إلى سيناء، فقد أثرت الأحداث الأخيرة على فعاليات الجناح المصري في بورصة لندن السياحية، حيث أبدى عدد من المستثمرين تخوفهم مما يجري هناك، مما أصاب المصريين بخيبة أمل في القدرة على استعادة الحركة السياحية في بلادهم. وعلى الرغم من أن بريطانيا وافقت على إلغاء التحذير من السفر إلى مصر، فقد أبقت على مطالبة رعاياها بعدم السفر إلى سيناء.

وكان الرئيس محمد مرسي قد وعد شعبه في التلفزيون المصري بعد مجزرة الخامس من أغسطس (آب) الماضي، التي راح ضحيتها 16 جنديا، قائلا: «سوف ترون الرد المصري على هؤلاء، وسيكون ردنا قويا وقاسيا». والآن، على الرغم من استمرار الإرهابيين في عمليات القتل والإرهاب دون مواجهة الرد القاسي، وعلى الرغم من تخوف المصريين من أن تصبح سيناء العزيزة عليهم مركزا جديدا لـ«القاعدة» والإرهاب، لا يزال المتحدث باسم الرئيس لا يرى أن هناك ما يهدد الاستقرار في سيناء!