شكرا ناصر السلوم.. مجددا

TT

السعودية بلد يخدم فيه الوزراء بصورة عامة مددا ليست بالقصيرة، فالتغييرات الوزارية لا تحدث بصورة كثيرة مثل دول أخرى وعليه فإن الوزراء في الذاكرة الجمعية السعودية معروفون ومعروف سمعتهم وبقيت في الأذهان سيرة طيبة تمدح وتذكر بالخير وأخرى لا يود أحد أن يتذكرها.

وفي هذا السياق فإن السعوديين يتذكرون بفخر واعتزاز بعض النماذج من الوزراء المميزين الذين خدموا بلادهم بتميز وشرف وأمانة ووطنية، فكان نصب أعينهم أداء الأمانة بعدل وإحسان وإتقان وسوية لا يميزون فيها شخصا عن آخر ولا منطقة عن أخرى ولا مصلحة خاصة على مصلحة عامة.

فالسعوديون لا يزالون يتغنون بالسير العطرة لرجال كرام خدموا بلادهم فأجادوا وأحسنوا، رجال مثل حسن آل الشيخ، جميل الحجيلان، محمد عمر توفيق، حسين المنصوري، عبد الله السليمان، سليمان السليم، محمد عبده يماني، هشام ناظر، محمد سرور الصبان، غازي القصيبي وحسن المشاري، وغيرهم من خيرة الرجال، وطبعا هناك معهم الوزير الاستثنائي ناصر السلوم الذي كرمته مدينته الوفية عنيزة في تجمهر مليء بالوفاء والعرفان والتقدير لرجل كان مفخرة لمدينته وأهله وبلاده.

على المستوى الشخصي عرفت ناصر السلوم في مراحل مختلفة من حياتي. كنت شابا حينما تعرف عليه والدي في نطاق أعماله أيام كان الرجل فيها الشخصية التنفيذية الأهم في وزارة المواصلات مع وزيرها الخلوق حسين المنصوري، ثم عرفته وزيرا للمواصلات ومن بعد خروجه من الوزارة.

كان الرجل ولا يزال آية من آيات الأدب والخلق الرفيع والترفع لم يغيره المنصب ولا الابتعاد عنه، فيه الكثير من التواضع الصادق للواثقين، رجل مليء بالحكمة والمعرفة وفي معرفة وتقدير معادن الرجال. أدى دوره التام بأمانة عظيمة بمعنى الكلمة، تحت يديه كانت ميزانيات بآلاف الملايين من الريالات، أنجز المطلوب منه بكل مهنية وجدارة ومصداقية ووضوح دون أن يتغير الرجل ولا أن يتأثر. ظل ضيف المجالس وحبيب الناس بصدق وبلا أي «شروط» ولا «قيود» ليكون أيقونة للشرف والأمانة ومثالا لمن يتقن عمله في الشأن العام ويجمع عليه الناس بمحبة واحترام.

ولذلك كم كانت خطوة حضارية وخطوة عظيمة تلك التي أقدمت عليها مدينة عنيزة وأهلها الكرام وهم يحيون ابنهم البار الذي كان نموذجا للرجل الناجح ويفتخر به بكل جدارة. احتفالية كبيرة وجميلة حضرها أمير المنطقة المحبوب الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز وحشد كبير من رجال الأعمال والوجهاء والأعيان من أجيال مختلفة، في شهادة لنا وللغير بحق الرجل.

تكريم المتفوقين والمميزين والناجحين عرف جميل تقوم بعمله المجتمعات الممتنة والفخورة بأبنائها، ولكن الأهم أن ذلك التكريم هو بمثابة رسالة بالغة الدقة للأجيال القادمة بأنه لا يصح إلا الصحيح وأن الرجال الذين يجمع عليهم الناس بالمحبة والتقدير والاحترام هم أجدر بأن يتبعوا كمسلك ومنهج مهني وأخلاقي في زمن باتت فيه النماذج المشرفة والمتألقة نادرة وشبه منقرضة.

الخطوة الحضارية الجميلة التي أقدمت عليها مدينة عنيزة بإدارتها وأهلها بتكريم الرجل الاستثنائي ناصر السلوم في مشهد جميل، مطلوب أن تتكرر في مناطق أخرى لديها نفس القصة ونفس التجربة التي من الممكن أن تروى في حق الرجال المميزين من أهلها. ناصر السلوم أدى الأمانة بأمانة وخرج من منصبه بكل ثقة ومرفوع الرأس تحيط به أعين الناس بكل محبة واحترام في مشهد بات نادرا جدا.

جمعتني الظروف منذ أسابيع بالمهندس ناصر السلوم في مناسبة اجتماعية وتبادلت معه أطراف الحديث، أسترجع معه ذكريات له مع والدي ومع صديقه الآخر من أسرتي الدكتور أسامة شبكشي ووجدت الرجل يزن كلماته كما عهدته بكل حكمة وروية وعقل فيأخذ المستمع منه عصارة التجربة وزبدة السنين وخلاصة التجربة. كان دوما صادقا مع نفسه فانعكس ذلك بصدقه مع الناس، وعد فأوفى واؤتمن فأدى الأمانة على أفضل وجه وكما ينبغي.

ليست عنيزة وحدها التي تشكر ناصر السلوم ولكن السعودية بأسرها تشكر هذا الرجل النبيل الأصيل على أمانته وحسن خلقه. في زمن مليء بالذكور ما أحلى الاحتفال بالندرة من الرجال. شكرا ناصر السلوم.

[email protected]