أوباما وأزمات الشرق الأوسط

TT

معظم الدول والحكومات في العالم تنفست الصعداء من جراء فوز أوباما بالرئاسة الأميركية، من جديد. فانتخاب منافسه الجمهوري لم يكن يحمل إلى العالم أي وعد بالسلام أو أي حل للمشاكل الدولية التي لم يوفق أوباما في حلها. وغني عن القول إن الدول العربية والإسلامية كانت في طليعة المرحبين، لأكثر من سبب، يكفي منها انحياز رومني المفرط لإسرائيل وتجاهله للحقوق وأماني الشعوب خارج حدود الولايات المتحدة. ولكن تنفس الصعداء لا يعني الاطمئنان ولا يولد بالضرورة الآمال العريضة. فالعقبات التي اعترضت الرئيس أوباما في ولايته الأولى وحالت دون تحقيق السلام في الشرق الأوسط والمصالحة الأميركية - الإسلامية، ما زالت قائمة. وفي طليعتها الأكثرية في الكونغرس التي صفقت واقفة لخطاب نتنياهو أمامها، منذ أشهر، إعلانا لتأييدها له بوجه الرئيس الأميركي. ولا يرى المطلعون كيف سيتمكن الرئيس أوباما من التغلب على نتنياهو وفرض حل الدولتين على حكومة إسرائيل المقبلة التي يرجح تشكيلها من الجناحين السياسيين الأكثر تطرفا في إسرائيل.

ومما يزيد «مسألة الشرق الأوسط» تعقيدا هو تجاوزها النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وتحولها إلى نزاعات قومية ودينية ومذهبية وإقليمية متفجرة ومتداخلة وممتدة من باكستان إلى لبنان ومن تركيا إلى السودان واليمن، تشترك فيها مباشرة وتتنافس - كما كان عليه الأمر في زمن الحرب الباردة - الدول الكبرى الغربية والشرقية، والتي كانت ساحتها الأخيرة: سوريا.

عدة أسئلة يطرحها العالم على واشنطن بعد تجديد ولاية الرئيس أوباما، لعل الأول منها هو موقفه من الثورة السورية. لقد آثر «النأي» عن التدخل العسكري المباشر في الحرب الدائرة، مكتفيا بالإدانة السياسية لنظام الحكم وأسلوبه في قصف الشعب بالقنابل. فهل تكون الخطوة الآتية هي دعم المعارضين والثوار السوريين بالسلاح أو بالحظر الجوي؟ أم تكون عقد صفقة ما مع روسيا تغريها بالتخلي عن دعمها للنظام السوري؟ الاحتمالان واردان. إلا أنهما مرتبطان بعقدة أخرى وهي مسألة السلاح النووي الإيراني. فإيران باتت لاعبا مهما في كل ما يجري من أحداث في الشرق الأوسط. من الخليج إلى لبنان، وأفغانستان وسوريا. ولا ننسى التهديدات المتبادلة بينها وبين إسرائيل، التي قد تتفجر حربا في أي لحظة وتخلط كل الأوراق السياسية في هذه المنطقة من العالم.

من الواضح أن الرئيس أوباما ليس راغبا في خوض بلاده لحرب جديدة في الشرق الأوسط. بل بالعكس يسعى إلى سحب قواته من أفغانستان. وروسيا وإيران وإسرائيل تعرف ذلك وتدخله في حساباتها. ولكن الحلول السياسية للمشكلة السورية والمشكلة الإيرانية والمشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية، وقد باتت مترابطة، تتطلب مفاوضات ومحادثات ومساومات تستغرق أشهرا وربما سنين. بينما المطلوب هو حلول سريعة لمشاكل وأزمات تهدد السلام والاستقرار والمصالح الوطنية والدولية أكثر فأكثر ويوما بعد يوم.

هذا بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية الجديدة التي ينوي الرئيس أوباما اتباعها أو يسمح له اللوبي الإسرائيلي الجمهوري المحافظ بإتباعها. ولكن ماذا هو الموقف العربي الذي يساعد الرئيس الأميركي أو يصعب عليه تنفيذ سياسته الجديدة، إذا كان هناك ثمة سياسة جديدة؟ لأن العالم العربي بعد «الربيع»، منقسم على نفسه بأشكال جديدة، بل هو أقرب إلى الضياع المصيري. فالغرب الذي صفق للربيع العربي بات اليوم متخوفا من وصول الإسلاميين إلى السلطة في أكثر من بلد عربي ومن امتداد الإرهاب إلى أراضيه بعد أن وصل التيار الإسلامي المتطرف إلى مالي وتجددت العمليات الإرهابية على أرضه. كما أن الديمقراطية العربية ما زالت وعدا جميلا لم تذق الشعوب العربية حلاوته. ثم إن الأقليات غير المسلمة باتت تشعر، اليوم، بأنها مهددة بانتقاص حقوقها وإنزال درجة مواطنيها. ولا ننسى تحريك رواسب النزاع السني - الشيعي التاريخي.

لا بد، وأيا كانت السياسة الخارجية التي سيسمح للرئيس الأميركي المجددة ولايته بإتباعها، من «ترتيب البيت» العربي والإسلامي. أي تجميد الخلافات وتوحيد الصفوف واستبدال النزعات والانتفاضات السلبية، بخيارات واقعية وإيجابية. كالتقارب بين تركيا ومصر، مثلا. أو توحيد صفوف المعارضة السورية الذي تم في الدوحة. وإنهاء تمزق الصف الفلسطيني، واستبدال المراهنة على العنف والإرهاب ومهاجمة السفارات الغربية بمحاسبة النفس والاعتراف بالخطأ، وبمسؤولية المشاركة في إنقاذ السلام في العالم. وما لا مخرج منه إلا بالمحاسبة وبالإصلاح وتوحيد الصفوف، ومواجهة كل التحديات بواقعية وإيجابية.

إن الأزمات التي يمر بها العرب والمسلمون كانت ضرورية لإيقاظهم وإخراجهم من الكهف الذي حبسوا أنفسهم فيه، وحثهم على بناء مجتمعاتهم العصرية الحرة والنامية والمتقدمة، شرط أن يهتدوا إلى أول الطريق وأن لا يعلقوا آمالهم أو يربطوا مصيرهم بواشنطن أو موسكو أو بكين.