أي الكارثتين أكبر؟

TT

رأى العالم أجمع من خلال الصور التي التقطتها القنوات الفضائية عيون الرئيس الأميركي «أوباما» وهي تفيض دموعا حارة على ضحايا الإعصار «ساندي» وما خلفته من دمار في المدن الأميركية، وكان الرجل في وسط معركته الانتخابية «المصيرية» عندما هبت رياح عاتية على جزر الكاريبي والسواحل الشمالية الشرقية للولايات المتحدة دون سابق إنذار، وشملت ولاية نيويورك أولا ثم امتد تأثيرها إلى بقية الولايات الأخرى الساحلية الـ15.

ترك الرئيس كل شيء وتابع تطوراتها الدراماتيكية المتلاحقة باهتمام بالغ، وعلى مدار الساعة وأعلن حالة الطوارئ القصوى في البلاد واعتبر المناطق التي طالها الخراب مناطق منكوبة، واعتبرها كارثة كبرى ومصيبة ما بعدها مصيبة، ومن الطبيعي في هذه الحالات أن تبدي دول العالم ومنظماتها المدنية والإنسانية والشعبية التعاطف مع الشعب الأميركي وتواسيه في مصابه الجلل وتتأسف لضحاياه الذين لم يتعدوا الـ150 شخصا في أحسن الأحوال والخسائر الكبيرة التي لحقت به، التي تقدر بحسب مؤسسة «فيتش» للتصنيف الإنمائي بـ40 مليار دولار.

طبعا لا يمكن الاستهانة بالضحايا والخسائر التي تكبدتها أميركا والمناطق المجاورة لها، فهي كبيرة جدا وفادحة، لا يمكن تعويضها، فالإنسان مهما كان جنسه ودينه، فهو أثمن شيء في الوجود، وهذا ما أكدت عليه الشرائع السماوية وعلى وجه الخصوص الإسلام، فالقران الكريم ذكر أنه «من قتل نفسا كأنما قتل الناس جميعا» ولم يقل من قتل مسلما كأنما قتل الناس جميعا، بل نفسا أيا كان جنسها أو لونها. فلا فرق بين النفس المسلمة وغير المسلمة كلها سواسية من الناحية البنيوية والإنسانية، لا يمكن الاعتداء على حقوقها تحت أي ذرائع أو حجج.

واحترام النفس البشرية وصيانة حقوقها عند العالم المتقدم يختلف طبعا عما هو موجود في عالمنا المتخلف، لا يوجد أي وجه للمقارنة بين العالمين المتناقضين، عالم يدعي المادية التجريبية وعدم الاهتمام بالشؤون الإيمانية والغيبية، ولكن يحافظ على حقوق الإنسان ويصون مشاعره ويحكم بالعدل والمساواة بين الناس. وعالم مجرد من الرحمة والإنسانية، يدعي الإيمان والإسلام ولكنه لا يتورع عن قتل الناس الأبرياء والفتك بهم وهضم حقوقهم والزج بهم في السجون والمعتقلات لسنوات طويلة دون محاكمتهم.. عالم يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل مائة شخص ذهبوا ضحية فعل طبيعي عادي يمكن أن يحدث لأي كان وفي أي زمان ومكان، وعالم مجرم يقصف الأحياء المدنية بالمدافع والصواريخ والطائرات ويهدم البيوت على رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء والعجائز، بحجة الحفاظ على وحدة البلاد ودحر الإرهاب والخارجين عن قانونه القمعي مثل النظام الأسدي الجائر.

فالنظام السوري لم يكتف بما اقترفه طوال سنوات حكمه الأربعين الماضية من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، بل راح يكمل مشواره القمعي ويوغل في جرائمه الشنيعة بحق الشعب المظلوم ويذيقه مر الهوان، تحت سمع وبصر العالم أجمع دون أن يحرك ساكنا، وقد قتل فيهم لحد الآن 38 ألف إنسان وأكثر من 300 ألف مصاب ودفع بأكثر من 100 ألف سوري للجوء إلى تركيا ومثلها إلى لبنان و200 ألف في الأردن وتقريبا 50 ألف في العراق، وخسائر مادية تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار بحسب المعارض السوري «هيثم المناع»، وذلك في مدة قياسية لم تصل بعد إلى 20 شهرا، أي بمعدل 150 حالة قتل يومي تقريبا.

وهذا يعني أن ما قتلته الرياح العاتية في أميركا منذ هبوبها خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لن يبلغ ما يقتله الطاغية بشار الأسد في يوم واحد، وبخسائر أكبر وأفظع في المباني والممتلكات، ومع ذلك فإن العالم مازال يتفرج ولا يكترث، فأي الكارثتين أكبر؟ الكارثة التي أحدثها «ساندي» أم ما أحدثه بشار الأسد؟.