بترايوس قصته أخطر من «العشق الممنوع»

TT

شاءت المصادفة أن تترافق الاحتفالات بمرور 50 سنة على ولادة أول فيلم لجيمس بوند أو ما يعرف باسم «العميل 007»، مع تفجر قصة مدير الجواسيس الأميركيين ديفيد بترايوس وعلاقته الغرامية بكاتبة سيرته الذاتية باولا برودويل، مما أطاح به، بالتزامن مع فوز باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية.

وإذ كان لا شبه ظاهريا بين حكاية مدير «سي آي إيه» المستقيل وأفلام الجاسوس البريطاني السينمائي الأكثر جاذبية وشهرة، فإن الدور الأساسي للحسناوات هو مربط الفرس في الحالتين. فجيمس بوند الذي غالبا ما يحاط بأكثر من حسناء، لإحداهما دور البطولة والثانية أقل أهمية، لا يختلف عن بترايوس الذي أقام علاقة يبدو أنها كانت عميقة مع الفاتنة باولا برودويل انتهت في يوليو (تموز) الماضي، فإذا بامرأة أخرى تدخل على الخط. والمرأة الثانية هي جيل كيلي ذات الأصول اللبنانية التي اشتكت لدى «إف بي آي» من رسائل تهديد إلكترونية وصلتها من باولا. وبتدقيق البوليس في بريد باولا يفتضح أمر رسائل أخرى في صندوقها تبادلتها مع مدير المخابرات، مما يثير المخاوف لدى الشرطة من عملية تجسس على الأمن القومي يتعرض لها بترايوس. وهكذا ينكشف ما كان يمكن أن يبقى سرا بسبب مجرد غيرة نسائية؛ إذ يتضح أن باولا كانت تهدد جيل لاعتقادها أن هذه الأخيرة تربطها علاقة ببترايوس، وهو ما لم يتبين بشكل قاطع بعد.

لكن الواضح والأكيد أن كل الخيوط الهوليوودية اجتمعت لقصة بترايوس. هو الرجل العسكري المتفوق الذي لعب دورا عسكريا قياديا في أكبر حربين خاضتهما الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة؛ فدوره أساسي في الحرب على العراق، ومن ثم أدار قوى التحالف الأطلسي في أفغانستان. بترايوس رجل مثقف واسع الاطلاع، يحب الفلسفة، مخطط استراتيجي محترف، يعشق ممارسة الرياضة، ويهوى مساعدة الطموحين، حتى إن البعض قال إن أي رجل آخر أقل جاذبية وحضورا من بترايوس، لو كان في منصبه وارتكب الحماقة ذاتها، لما كانت لتهوي به قصة غرامية. مواصفات العشيقة هي أيضا على طريقة الأفلام المثيرة للخيال، خريجة أكبر الجامعات الأميركية، باحثة، ضابطة سابقة، متخصصة في الإرهاب، رياضية محترفة، كما أنها تتكلم العربية وتكتبها بعد أن تابعت دروسها في الأردن.

لكن يبدو، وبحسب بعض المعلومات، أن قصة العشق وخيانة الزوجة بعد 37 سنة من العشرة، ليست إلا شجرة تخفي غابة من أسرار الدولة وخفاياها؛ فقد خان بيل كلينتون زوجته وهو رئيس للجمهورية وغفر له الشعب ما فعل، واستمر في ولايته، فلماذا يعاقب بترايوس، على حين لم يعاقب سواه؟

ويقدم البعض قصصا لا أول لها ولا آخر عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية انكشفت قصص علاقاتهم الغرامية مع مساعدات في العمل أو صديقات من خارج السلك ولم يضطروا للاستقالة. ورغم أن بترايوس هو أول مدير مخابرات أميركي تنكشف خيانته الزوجية، فإن البوليس الأميركي على ما يبدو وبعد أن تأكد من أن صلته بباولا برودويل قد انتهت، ولم يكن لها أي أبعاد خطيرة على مهنته، أخبره بأن أي تهمة لن توجه إليه أو إليها.

والاعتقاد السائد في بعض الأوساط، أن بترايوس أرسل استقالته إلى مكتب الرئيس أوباما قبل يوم من انتخابه، ووافق عليها الرئيس بسرعة قياسية لأن بترايوس كان من المفترض أن يستجوب في 15 من الجاري أمام لجنة تحقيق في مجلس الشيوخ، بخصوص مسؤوليته في حادث الهجوم على السفارة الأميركية في بنغازي ومقتل السفير وثلاثة آخرين. لكن استقالة بترايوس تجعله لا يستدعى للتحقيق، بينما يسأل المدير الذي عين مكانه. وذكرت معلومات صحافية أن من بين المسؤولين الذين يفترض أن يستجوبوا أيضا حول نفس الموضوع، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي لن تستدعى بدورها لأنها ستترك منصبها. ومما يقال إن سوزانا رايس، سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة، من الممكن أن لا تعين بدلا من كلينتون لتفادي استجوابها هي الأخرى، بسبب ما صرحت به تعليقا على الحادث بأن مظاهرة غاضبة على الفيلم المسيء للرسول بقرب السفارة هي التي أدت إلى حدوث الصدام. والصحيح على ما يبدو أنه لم يكن من مظاهرة قرب السفارة الأميركية لحظة مقتل السفير. وبحسب ما قالته باولا، عشيقة بترايوس المختفية عن الأنظار، وقبل تواريها في محاضرة ألقتها في إحدى الجامعات، فإن الهجوم على السفارة لم يكن بسبب الفيلم المسيء، وإنما بسبب وجود محتجزين ليبيين داخل السفارة.

كل هذه المعلومات تشي بأن قصة الجاسوس والفتاة الجميلة التي تطيح به من عل قد تكون صالحة لفيلم هوليوودي على طريقة جيمس بوند بعنوان «السقوط من السماء» مثلا، لكن الواقع السياسي، أخطر من كيد النساء وضعف الرجال أمام سحرهن الذي لا يقاوم.

فكثيرون يسألون، هل ما تزال خيانة رجل لزوجته في أميركا اليوم - حتى ولو كان مديرا للاستخبارات من وزن بترايوس - يمكن أن تجعله يسقط في الهاوية؟