خسر ولو ربح

TT

الرئيس بشار الأسد رجل عند كلمته ووعده: قال إنه سوف يبادر إلى الإصلاحات، فبادر. وقال إنه سوف يلغي حالة الطوارئ، فألغاها. وقال إنه سيعطي الحريات، فأعطاها. وقال إنه إذا استمرت معارضته فالمنطقة كلها ستدفع الثمن، وها هي. وقال أخيرا إن العالم كله سوف يتضرر، والآن العالم ينتظر دوره.

في هذه المجالات كلها، أثبت الرئيس السوري كفاءات ومهارات وخصوصا، صدقا في الوعد وفي التوعد، لكن ثمة أشياء أخرى لم يعد بها ولا وفّى، منها، مثلا، مسؤولية الرئيس عن حماية وحدة البلاد، ومنها، مثلا، حماية أرواح المواطنين وأرزاقهم وممتلكاتهم، ومنها مثلا حماية شرف النساء ومستقبل الأطفال واقتصاد الأمة.

توعد الأسد جميع العالم فيما كان الطريق المستقيم أقصر الطرق: أن يعد الشعب السوري بنهاية الغطرسة، وبأن الحكم سوف يكون في أيدي السياسيين وذوي المسؤولية والكفاءة، وليس في قبضة المخابرات وفي رهبة الجيش. الطمأنينة وليس الرعب ولا الخوف. لأن سنوات الخوف تؤدي دائما إلى ما تؤدي إليه اليوم، انفجار بلا حدود.

بل أدى إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير: انهارت قبضة المخابرات الأسطورية، ومجموعة من المقاتلين يردون الجيش النظامي من مدينة إلى مدينة ويلحقون به الهزائم. يسمى ما حدث في سوريا فيض الوعاء، أو بلوغ السيل الزبى، إذا شئت. وكل هذه المشاعر الإنسانية لا ترى ولا تدرك إذا كان الحاكم يتطلع إلى شعبه وبلده من فوق، وإذا كان يصغي إلى التقارير الصغيرة وليس إلى الأفكار الكبيرة، وإلى الخداع لا إلى الصدق.

تصرف الأسد منذ اللحظة الأولى وكأن المسألة مبارزة بينه وبين الناس. مبارزة في اللعب على الكلام وعلى الألفاظ وعلى المفاهيم، ثم انتقلت إلى مبارزة بالسلاح. وكان يعتقد، مثل سواه، أنه سوف يربح الأخيرة. فمن وما هي المعارضة أمام جبروت الدولة السورية؟ بل من هي دول المنطقة التي كانت تحاول مداراته ومسايرته؟ بل وخصوصا من هي الدول الكبرى التي لا تعرف كيف تحسب لنظامه الحساب؟

القوة لا تحسم المبارزات. لها شروط كثيرة أخرى، كالحنكة والخبرة وقراءة الموازين ومعرفة خطوط التجاوز. ولها قاعدة كبرى: الرجل لا يدخل في مبارزة مع شعبه، لأنه خسر ولو ربح.