مصالح الولايات المتحدة.. أين؟

TT

يستحق الرئيس أوباما التهنئة على فوزه الساحق في انتخابات الرئاسة الأميركية لفترة ثانية، وبذلك يدخل قائمة «الرؤساء العظام»، كما يطلق العرف هناك على الذين يفوزون بولاية ثانية في ذلك البلد الذي هو، بغير منازع، أقوى دول العالم اقتصاديا وعسكريا، وأكثرها تأثيرا في موازين السياسة العالمية.

ورئيس الولايات المتحدة هو رئيس السلطة التنفيذية وسلطاته التنفيذية بالغة الاتساع بالغة القوة. صحيح يحد منها مذهب توازن السلطات في النظام الرئاسي، ولكن الفقه الدستوري الأميركي يقول إن رئيس الولايات المتحدة هو «أقوى» رجل تنفيذي في العالم، حسب سلطاته وحسب قوة الدولة التي يرأسها.

ومعروف مع ذلك أن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات وليست دولة أفراد، ولكن لا شك أن للفرد «الرئيس» دورا مهما في توجيه السياسة الخارجية لهذه الدولة العظمى. وهذا الدور المهم هو الذي يدعوني لكتابة هذا المقال متسائلا: أين توجد المصالح الحقيقية للولايات المتحدة؟

تقديري أن المصالح الحقيقية لهذه الدولة في منطقة الشرق الأوسط ترتبط ارتباطا وثيقا بالدول العربية، خاصة السعودية ودول الخليج ومصر، وبقية البلاد العربية بأقدار متفاوتة.

والذي أريد أن أقوله للسيد الرئيس أوباما – وهو رجل قانون وقد حصل على درجة الدكتوراه في القانون الدستوري، ذلك الفرع من القانون الذي أنتمي إليه. وأذكر أنني كنت في الولايات المتحدة في الفترة التي كان مرشحا فيها للولاية الأولى، وطلبت من أحد أصدقائي من القانونيين الأميركيين أن يزودني ببعض مؤلفات أوباما، وقد فعل، وأعجبت بطريقته في التفكير والتحليل.

الذي أريد أن أقوله لرئيس الولايات المتحدة هو: أعتقد يا سيادة الرئيس أن مصالح الولايات المتحدة في منطقتنا تقتضي منك أن تنظر إلى قضية العرب المحورية – قضية فلسطين – نظرة موضوعية غير منحازة.

لا أطلب منك - يا سيدي الرئيس - أن تنحاز للعرب حيث توجد مصالح بلادك، بل أطلب منك أن تنحاز لمصالح الولايات المتحدة، وهذا شيء طبيعي ينتظر منك. ولقد كان خصمك في الانتخابات «رومني» يزايد عليك بتأييده الكامل لإسرائيل، ومع ذلك اختارك الشعب الأميركي ولم يختر خصمك. ولهذا معنى من غير شك.

كذلك فإن الإدارة الإسرائيلية على لسان رئيس الوزراء أعلن بكل وقاحة عدم سروره أو عدم ارتياحه لانتخابك لولاية ثانية، على اعتبار أنهم يعرفون أن الرئيس الأميركي في ولايته الثانية يكون عادة أكثر تحررا من ضغوط الرأي العام، سواء في الداخل أو في الخارج، وبالذات في إسرائيل.

بعد هذا كله أقول لسيادتك: إنني واثق أن لديك من الدراسات الكافية والأبحاث المتعددة التي يكتبها المتخصصون في رئاسة الجمهورية أو في مراكز الأبحاث الكثيرة في الولايات المتحدة، ما يحيطك علما بكل جوانب الصراع العربي - الإسرائيلي.

أصل الصراع - يا سيدي - بدأ منذ تاريخ يمتد إلى أكثر من قرن من الزمان حين قررت الحركة الصهيونية أن تجعل من فلسطين التاريخية موطنا لدولة جديدة اسمها إسرائيل. ولم يكن ذلك القرار محل ترحيب كل يهود العالم، وإنما كان محل ترحيب اليهود في بلدان أوروبا عموما، وأوروبا الشرقية خصوصا، لكل ما لاقوه من اضطهاد وملاحقة. وموقف النازية الألمانية على عهد هتلر من هذا الموضوع أمر يدخل في العلم العام.

ولم يشعر اليهود الذين كانوا يعيشون في بلدان الوطن العربي بأي نوع من الاضطهاد، بل إنني أذكر أن التجار اليهود في منطقة الأزهر في القاهرة، عاصمة أكبر دولة عربية، كانوا محل ثقة كثير من المسلمين.

وكذلك كان الحال في الشمال الأفريقي وفي اليمن، حيث كانت توجد جاليتان يهوديتان كبيرتان نسبيا.

كان في مصر مكتب محاماة كبير اسمه مكتب مزراحي للمحاماة، وكان المكتب في وسط القاهرة، وكان له شريك مصري اسمه أحمد صفوت «باشا»، وكان مزراحي نفسه يحمل لقب الباشوية.

وكان هذا المكتب هو المستشار القانوني لهيئة قناة السويس ولهيئة الأوقاف «الإسلامية»، بل كان في بعض الفترات مستشارا للخاصة الملكية. وتخرجت في هذا المكتب أجيال من المحامين المصريين ليس بينهم واحد يهودي، وإنما كان أغلبهم من المسلمين.

وعندما بلغ «مزراحي باشا» سنا متقدما قرر أن يسافر إلى باريس، وحرم على نفسه وعلى أولاده الذهاب إلى إسرائيل. وتخرج ابنه في كلية طب قصر العيني، ثم عمل في الولايات المتحدة ومات في حادث سيارة هناك، أما بنته «ليديا» فقد عاشت في باريس بالقرب من شارع سان جرمان، ولست أدري إذا كانت ما زالت على قيد الحياة. وكان مزراحي يعتقد اعتقادا جازما أن دولة إسرائيل التي قامت عام 1948 ستكون في المدى الطويل نكبة على يهود العالم.

يا سيادة الرئيس.. رغم كل ادعاءات إسرائيل فإنها عند التحليل العلمي دولة عنصرية ودولة محتلة، ودولة تسوم الشعب الفلسطيني كل ألوان الظلم والعسف والاضطهاد، ومع ذلك فإن غالبية الشعب الفلسطيني الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية تقبل حل الدولتين المتجاورتين المتعايشتين في سلام؛ شريطة أن تكون للدولة الفلسطينية كل خصائص الدولة، أما أن يقال أنْ تحرم دولة فلسطين من أن تكون لها أي قوة مسلحة؛ فهذا هو الافتراء والعبث. مهما كان لفلسطين من قوة عسكرية فإنها لن تستطيع ولن تحلم بأن تقارن بدولة إسرائيل التي تعتبر ثالث دولة نووية في العالم، والتي تهدد استقرار العالم كله.

يا سيادة الرئيس.. لا نطلب منك الانحياز، وإنما نطلب منك الموضوعية والانتصار لحقوق الإنسان ورعاية المصالح الأميركية المتمركزة في بلاد العرب، وإسرائيل هي عبء بالنسبة لكم.

وثق - يا سيدي الرئيس - بأن العرب لن يظلوا غافلين، وسيستيقظون يوما من الأيام ويدركون مدى الخطر عليهم وعلى شعوبهم من هذا السرطان العنصري المسمى دولة إسرائيل.

وعنصرية إسرائيل واستعلاؤها محل دراسات كثير من العلماء الإسرائيليين الثقات، سواء في العالم كله أو حتى داخل إسرائيل نفسها.

سيدي الرئيس.. نرجو منك الانحياز للحق والمصالح الأميركية. والله معك.