صحيح معاك حق يا (بنطلون)

TT

دخل (شريك بن الأعور) على معاوية في خلافته، وكان شريك دميما قبيح الوجه، فقال له معاوية:

- إنك دميم، والجميل خير من الدميم، وإنك شريك، وما لله من شريك، وإن أباك الأعور، والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك؟! فقال له شريك:

- وأنت معاوية، وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك ابن صخر، والسهل خير من الصخر، وإنك ابن حرب، والسلم خير من الحرب، وإنك ابن أمية، وما أمية إلا أمة فصغرت، فكيف صرت أميرا للمؤمنين؟!

فقال معاوية: «حسبك يا شريك، واحدة بواحدة والبادي أظلم».

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد حكى لي أحد أبناء أعمامي، أنه عندما كان يدرس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، سأله الدكتور عن اسمه متبوعا بلقبه (السديري)، فحبكت مع الدكتور وأراد أن (يهزر)، فقال له وهو يضحك ويقهقه: «أنت سديري وللا بنطلون؟!». فضجت مدرجات الطلبة بالضحكات.

وما أن ذكر لي ذلك حتى أخذتني الحمية الجاهلية، خصوصا أن لقب ذلك الدكتور ينتهي (بالحيوان) فقلت له: (أفا) عليك ألم ترد له الصاع صاعين؟! قال: والله خفت، فرددت عليه: الحقيقة إنك جبان، فقال: جبان جبان ولا الله يرحمني، لأنني لو رددت عليه يا فالح كان سقطني، عندها انتبهت إلى غبائي وقلت له: صحيح معاك حق يا بنطلون.

وللمعلومية فقط لا غير، أقول: إن الصدرية التي تلبس على الصدر، يختلف حرفها (الصاد) عن (السين) الذي يحمله لقب عائلتنا، ويبدو والله أعلم أن أجدادنا كانوا مغرمين بأشجار (السدر)، وهي التي تنتج النحل في رحيقها أجود أنواع العسل في الجزيرة العربية، وقد هاموا عشقا بعد ذلك (بسدرة المنتهى) التي ذكرها الله بكتابه الكريم، لهذا تشبثوا بذلك اللقب لا يرضون له بديلا.

* * *

أعجبت بالطريقة العصرية التي ابتكرها أحد الحلاقين في قرية (سان بدرو) الإسبانية، لأنني كنت أتردد عليه كلما أردت أن أحلق رأسي على (الزيرو).

ولاحظت أنه في المدة الأخيرة، بدأ يضع على باب صالونه ما يشبه إشارات المرور الضوئية، فاللون الأحمر يدل على أن المحل مزدحم، والأصفر يدل على أن هناك فرصة للانتظار، والأخضر يدعوك لأن تدخل من دون تردد وتحني رأسك له ليعبث به كيفما يشاء.

وأكثر المستفيدين من ذلك هو مقهى على الرصيف المقابل، يجلس فيه الزبائن وأنا من ضمنهم نطلب الطلبات، ولا هم لنا غير مراقبة الإشارات الضوئية، ولا أزعجني يوما إلا عندما شاهدت الإشارة الخضراء تضيء فانطلقت مهرولا، وإذا بفتاة كانت تجلس في إحدى الطاولات وشاهدت ما شاهدت، وإذا بها وقبل أن أمسك بـ(أكرة) الباب تزحمني وتدفعني بكتفها وعجيزتها معا، فاختل توازني ولولا رحمة الله لكنت سقطت بوجهي على الرصيف، وجلست هي قبلي على الكرسي بكل (أريحية)، ولا أنسى نظرات الشماتة التي كانت تزغرني بها وهي تشع من عينيها الخضراوين كأي قطة سيامية.

* * *

ضحكت فقالوا ألا تحتشم؟

بكيت فقالوا ألا تبتسم

بسمت فقالوا يرائي بها

عبست فقالوا بدا ما كتم

صمت فقالوا كليل اللسان

نطقت فقالوا كثير الكلام

حلمت فقالوا صنيع الجبان

ولو كان مقتدرا لانتقم

[email protected]