سكان الأهوار طيور مائية

TT

ما هي «الأهوار»؟ كم تردد ذكرها في أحاديث العراق، من دون أن يأتي وصفها مرة واحدة؟ «إنها صحراء شبه مائية، تمتد من دجلة إلى الفرات، وساكنوها بشر كالطيور المائية، لا يعرفون عن اليابسة إلا القليل»، هكذا وصفت الليدي دراور منطقة الأهوار أوائل العشرينات في كتاب تضمن انطباعاتها عن العراق بعنوان «على ضفاف دجلة والفرات» (دار «الوراق»).

في ذلك العالم العجيب «لا تبنى البيوت من الطابوق أو الحجر أو حتى الطين، فهي مشيدة بالقصب والقصب وحده. وهو يتلألأ كالعسجد إذ تلقي الشمس عليه أشعتها، وتنعكس صوره على سطح الماء الأزرق». يتنقل أهلها بالقوارب المائية القديمة المطلية بالقار، المتوافر بكثرة بين مزارع الأرز ومنابت القصب.

إليك كيف تغرد المؤلفة البريطانية في وصف الصحراء المائية هذه: «في سكان الأهوار الكثير من طبائع الطيور. مرحون، يتمتعون بالنكتة، ويكتفون بالضحك، ويولعون بالغناء».. قد عاد الآن، عودة السمك إلى البحر، أو إذا شئت عودة الطيور المائية، كما تقول المؤلفة. ولا يغيب عنا أن السرد المنقول يعود إلى العشرينات، مع أن الناشر فاته أن يعرض لنا بالتفصيل من كانت الليدي دراور، وكيف تسنى لسيدة بريطانية أن تقوم بما قامت به من أبحاث، أو بالأحرى من مسح اجتماعي في العراق.

ومن عادة الأجانب أنهم يلتفتون إلى ظواهر ومظاهر لا نلتفت نحن إليها، حالنا في ذلك حال المسافر في قطار سريع، لا يميز الأشياء القريبة لكنه يرى البعيدة في وضوح.

قصب قصب قصب.. سقوف البيوت من القصب، جدرانها قصب، أرضها قصب، وفرشها من القصب. إلا المضيفة فهي من الآجر، ولا أثاث فيها سوى الحصير. وفي صدر هذه المضيفة أخذ القهواتي يدق البن بنقرات موسيقية عالية، فإذا سمع الناس الصوت تقادموا لشرب القهوة. ولكن للضيوف إكراما آخر: ذُبحت الخراف، وقُدمت الحلويات، وتعلم الغربيون كيف يقبضون على الأرز بالأصابع، فلا ملاعق ولا شوك في الأهوار.

قصب ومراكب صغيرة و«مشاحيف» تصطدم أحيانا في التراب والطمي فيضحك بحارها ويتضاحك البحارة في المشاحيف الأخرى، ويغني الجميع، كما تفعل طيور المياه..