دماء غزة.. مجددا!

TT

مشهد جديد ومتكرر لعدوان إسرائيلي على أراض عربية، وفي هذه المرة على قطاع غزة المنكوب. ضحايا جدد يسقطون قتلى، منهم نساء وأطفال، فالسلاح الإسرائيلي لا يفرق، فهو يقتل الجميع بشكل سواء ولا يفرق بين أحد.

إسرائيل وتحديدا رئيس وزرائها الموتور المتعطش للدماء ولصنع أي مجد عسكري له على حساب العرب (مثل من سبقوه في هذا المنصب)، يعاني من نقطة ضعف، لأن كل رؤساء وزراء إسرائيل الذين «لمعوا» كان لهم إرث عسكري لافت، وهو ليس لديه أي شيء يذكر في هذا النطاق. وفشل في إقناع العالم بضربة على إيران بحجة القضاء على برنامجها النووي، بل فشل في إقناع مخابراته (الموساد) ووزير دفاعه باراك، وكذلك الرأي العام في إسرائيل، وبالتالي كان يعتقد أنه وجد «ضالته» في ضربة قوية وعنيفة على غزة.. فغزة تتغير الآن، وذلك بتلقيها دعما ماليا هائلا من قطر ودعما لوجستيا وسياسيا ومعنويا كبيرا من دولة بحجم مصر يحكمها تيار متوافق تماما مع التيار الحاكم في غزة، بالإضافة إلى أن حماس نفسها تحررت من هيمنة وقيود نظام بشار الأسد في دمشق الذي كان يحكم «حماس»، فلا يدعها تحلق كثيرا في أحلام المواجهة مع إسرائيل، بل كان «يؤدب» قادتها أحيانا إذا تجاوزوا خطوطا سياسية وعسكرية حمراء وضعت لهم من دمشق.

وكذلك يعي بنيامين نتنياهو تماما أن استمرار باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة مجددا هو مسألة متعبة له، إذ إنها ستقضي على فرصته في ضرب إيران، بينما لو كان صديقه مرشح الحزب الجمهوري قد تمكن من الوصول إلى سدة الرئاسة بالبيت الأبيض، لتغير الوضع.

كل هذه المعطيات والمسائل سارعت بأن يتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي قراره ليعطل أيضا بشكل عسكري أي فرصة حقيقية لنجاح التصويت على قبول فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، ليثير في الرأي العام العالمي، وخصوصا الإعلام الغربي، مسألة تغلغل الإرهاب الفلسطيني في غزة وفي مناطق السلطة الفلسطينية عموما، وذلك في حملة تضليل وتشتيت للذهن السياسي بحيث يكون صعبا، إن لم يكن مستحيلا، التصويت بشكل سليم لقبول فلسطين دولة في المنظمة الأممية الكبرى.

واللافت أن حماس تتصرف بتجرد تماما من الهيمنة السورية القديمة وخرجت من سيطرة أجهزة المخابرات السورية الخانقة لها.

في ظل حكومة نتنياهو لن تكون هناك مباحثات سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهذا قرار نهائي تم اتخاذه بقناعة، بل إن هناك «أجنحة» داخل الحزب الحاكم في إسرائيل تطالب «علنا» بترحيل أهل غزة وتوطينهم في سيناء (كما طالبوا من قبل بترحيل أهل الضفة الغربية إلى الأردن).

هذه هي اللغة التي تلقى القبول الآن ويسمح لها بأن تردد في العلن، وبالتالي هذه النوعية من العمليات العسكرية (والتي هدد نتنياهو بتوسيعها برا وبحرا، وجرى استدعاء 30 ألفا من الجند الاحتياطي للجيش الإسرائيلي استعدادا لذلك) ستكون فرصة لكسب شهور من المغانم السياسية للحزب الذي يستعد للدخول في انتخابات مبكرة بحسب ما تم الإعلان عنه مؤخرا.

ولكن العدوان الإسرائيلي على غزة يراد به (بخبث إسرائيلي عتيق) تجربة الحكومة المصرية الجديدة ومدى حقيقة انحيازها لغزة وحكامها ومدى «التزامها» باتفاقية السلام مع إسرائيل، وخصوصا أن المخابرات المصرية حتى الآن لم تصدر ما يشفي الصدر ويبرد الغليل بخصوص أحداث سيناء المتواصلة ومن «المسؤول» عنها.. هل هي غزة وحماس والمتطرفون فيها، أم أن «الموساد» الإسرائيلي له دور مريب في ذلك، لأن هذا الأمر سيؤثر على الرأي الشعبي العام في مصر، وهو الذي يواصل الغليان وإن كان لأسباب أخرى في المقام الأول.

ما حدث من قبل الحكومة الإسرائيلية بحق غزة لن يكون آخر الجرائم والمذابح التي تقوم بها هذه الدولة المارقة والخارجة عن القانون الدولي، فهي كالكلب المسعور الذي يردد صاحبه: اعذروه إذا عضكم، فهو يدافع عن نفسه!

إسرائيل في حالة رعب كبير بسبب أحداث الربيع العربي وتخشى تبعاته، فهي أمام أوضاع لا تستطيع توقعها وتخشى كثيرا عواقبها، لأن معدلات الحرية في العالم العربي في ارتفاع، ولن يقبل الناس أقل من الحرية والكرامة داخل أوطانهم التي يحيون عليها أو المحتلة والمغتصبة منهم.

[email protected]