العودة

TT

كان الشهيد كمال ناصر يقول، ساخرا من تراخي العرب «يجب أن نعتمد دائما على وطنية الإسرائيليين». كاد العرب ينسون القضية الفلسطينية والبؤس الفلسطيني، إلى أن قرر نتنياهو شن الحرب على غزة. فماذا حدث؟ عادت مصر إلى قلب القضية للمرة الأولى منذ 1977، وتحرك الشارع العربي الذي اعتاد الهتاف لجلاديه، وسمعنا الرئيس محمود عباس يقول في كآبة إن المصالحة صارت حقا على الجميع.

بالأمس كان عباس يقول أسوأ ما أكره نفسه على قوله، وهو أنه لا يريد أن يرى صفد، أحب قطعة في الأرض عنده. وكان يعرف تماما كيف سيكون رد الفعل عند معارضيه ومؤيديه. ومع ذلك قالها، أملا في عضوية الأمم المتحدة. وجاءه الرد الأميركي سريعا: لا مكان لفلسطين. ثم جاءه تعليق نتنياهو: تحويل غزة إلى جحيم.

ماذا كانت صورة الصفحة الأولى في «نيويورك تايمز» صباح السبت؟ تركت للأرشيف صورة الجحيم في غزة، وقدمت لقرائها صورة مجموعة من الإسرائيليين في ملجأ في مستعمرة كريات شمونة. وأما المقال المرفق فكان عن مشروعية شن الحرب للقضاء على المتطرفين المحليين والقادمين من العالم العربي.

هناك من هم أسوأ من نتنياهو: الذين يبحثون للجريمة عن مبرر. اعتقدت حكومة إسرائيل أن العالم العربي ملهي في سوريا، وأن بإمكانها الانقضاض على غزة من دون إثارة أحد. لكن الاعتداء أيقظ العرب من جديد، وذكّرهم بأن القضية الحقيقية لا تزال مأساة حقيقية، على الرغم من اتساع مآسي العرب الآخرين.

ليس دائما صحيحا أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة. فبشاعة الظلم واحدة، وقباحة القهر واحدة. ومنذ وصول نتنياهو إلى السلطة في المرة الأولى اختفت جميع آفاق السلم ومبادراته، وأثبت أنه وريث فعلي لآرييل شارون وإسحق شامير، وأكد للعرب وللعالم، عاما بعد عام، أن إسرائيل تنظر إلى السلام كخرافة من الخرافات.

لعل الأسرة الدولية، أو ما تعارفنا على إعطائها هذا الاسم، تنبهت أيضا من سباتها لتكتشف أن مكمن الانفجار الكبير في المنطقة لم يتغير، وأن تناسي الأمر وإهمال الحلول هو مجرد خداع للذات. والذين رحبوا بـ«الربيع العربي» على أنه الحل لمشاكل الأمة، نسوا أن الربيع لا يمكن أن يزهر إلى جانب الشتاء المظلم القائم في قلب هذه الأرض.

تذكر الغرب هذه المسألة عندما رأى السفير الإسرائيلي يغادر القاهرة قبل أن يطلب أحد منه ذلك. لقد اعتبر نفسه شخصا غير مرغوب فيه في اللحظة التي ظهرت فيها قاذفات نتنياهو في سماء غزة.