مساعدة السوريين في محنتهم كيف تكون؟

TT

ليس من المبالغة القول إن بلدا في العالم، لم يتعرض في الخمسين عاما الأخيرة إلى مثل ما تعرضت له سوريا وسكانها من قتل ودمار وتهجير ونزوح، والأمر في هذا يتجاوز التقديرات إلى الأرقام. ففي بلد لا يتجاوز عدد سكانه ثلاثة وعشرين مليون نسمة، قتل أكثر من ثلاثين ألف شخص، إضافة إلى نحو مائة ألف من المفقودين غالبيتهم في حكم الأموات، وجرح مئات آلاف أغلبهم صارت لديهم عاهات أو تشوهات دائمة، وهناك مئات آلاف المعتقلين والمطلوبين. وطبقا لتقديرات المنظمات الدولية، فإن عدد النازحين داخل سوريا بلغ نحو ثلاثة ملايين نسمة، وعدد اللاجئين إلى دول الجوار يزيد عن نصف مليون شخص، وإن كانت تقديرات الداخل السوري، تشير إلى اقتراب عدد النازحين من أربعة ملايين واللاجئين من مليون شخص.

ولا يقل حجم الدمار الذي أصاب سوريا بشاعة عما لحق بسكانها. فثمة مدن وقرى كانت تضج بالحياة قبل عشرين شهرا، أصبحت مجرد أطلال وخرائب مدمرة، وهو أمر حاضر في أغلب المحافظات السورية ومنها درعا وريف دمشق وحمص وإدلب وحلب ودير الزور، حيث أدى القصف الجوي والمدفعي والتفجيرات والاشتباكات المسلحة إلى دمار كلي أو جزئي لما يزيد عن ثلث المساكن في البلاد، وقد يزيد عن تلك النسبة ما لحق بالمحال التجارية والحرفية والمنشآت الاقتصادية بما فيها المشاريع الصناعية والزراعية، إضافة إلى المنشآت الخدمية ومنها المؤسسات العامة والمشافي ودور العبادة، وكذلك شبكات المواصلات والاتصالات والكهرباء والماء والصرف الصحي، وبذلك أصيبت بدمار كبير مصادر عيش السوريين وهياكل خدماتهم العامة.

وتمثل الأرقام السابقة ملامح كارثة إنسانية ضربت سوريا والسوريين، وتبدو معها المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي بمنظماته ودوله إلى جانب ما قدمه المجتمع في سوريا، ضعيفة ومحدودة التأثير في مواجهة تلك الكارثة. والأثر الهش والضعيف المباشر لهذه المساعدات، يمكن ملاحظته في حياة البؤس التي تعيشها مئات آلاف العائلات في مدن وقرى سورية كثيرة بشروط غير إنسانية تفتقد الأساسيات من مأوى وطعام وصحة، مما يدفع بعضها إلى اللجوء إلى دول الجوار. كما يمكن ملاحظة الأثر المحدود للمساعدات في واقع مخيمات اللاجئين السوريين التي تتزايد في دول الجوار ومنها مخيم الزعتري في الأردن الذي لا تتوفر فيه أقل ظروف الحياة الإنسانية، حيث يعاني اللاجئون فيه من نقص مياه الشرب وقلة الخدمات الصحية، وهو مثال مقارب لما عليه حال مخيمات تركيا ولبنان، وإن كانت الظروف العامة هناك أفضل بقليل.

لقد عجزت المساعدات التي قدمت للنازحين في سوريا واللاجئين خارجها عن توفير أساسيات الحياة من مكان إقامة إلى طعام ولباس وخدمات أساسية، صارت في مكانة الكماليات مثل الصحة والتعليم والعمل، الأمر الذي يؤكد ضعف وهامشية المساعدات المقدمة لمحتاجين يزدادون يوميا، وفي ظل سوء إدارة رسمية داخل سوريا في توزيع المساعدات المحدودة التي تصل من الخارج، وتجريم شبه معلن للمساعدات التي يقدمها سوريون في الداخل ومن الخارج، وهي مساعدات تراجعت في الأشهر الأخيرة.

وحيث إن الوضع على هذا النحو، فثمة حاجة ضرورية ومؤكدة لتحرك دولي جدي في موضوع المساعدات الإنسانية للسوريين، وهي مساعدات يفترض أن تكون شاملة، وتتضمن تأمين المأوى والطعام واللباس إضافة إلى المساعدة الصحية والتعليمية، بل إن الأهم من ذلك كله، توفير مسارات آمنة من أجل وصول هذه المساعدات إلى المناطق المنكوبة، وتلك التي تعاني من حصار أمني وعسكري رسمي بحجة وجود «إرهابيين» و«عصابات مسلحة» داخلها، بل ينبغي ضمان وصول المساعدات إلى المستحقين، وإن كان أغلب السوريين مستحقين اليوم، فإن المساعدات ينبغي أن تذهب إلى الأكثر حاجة إليها بغض النظر عن مواقفهم وخياراتهم السياسية بالنسبة للسلطة أو معارضيها.

إن الطابع العام للمساعدة المطلوبة في إطارها السابق هو أنها إسعافية، هدفها التغلب على الظروف الصعبة التي آل إليها وضع قطاعات واسعة من السوريين ومساعدتهم على مواجهة تحديات الأزمة، لكن الأهم من المساعدة الإسعافية، هو تقديم مساعدة جذرية وشاملة، توقف توليد المعاناة السورية، وأساسها معالجة الأزمة وإخراج سوريا من دوار القتل والتدمير، بما يؤهل السوريين إلى إعادة تطبيع حياتهم على نحو يحقق لهم معالجة ما خلفته الأزمة، التي ضربت بلادهم بفعل سياسات النظام الأمنية - العسكرية وما أدت إليه.