محنة أوباما

TT

سيلقي الفوز الكاسح الذي حققه أوباما في الانتخابات أعباء ثقيلة عليه. لو كنت في محله لبكيت وما ضحكت. لم يعد له أي عذر في عدم تنفيذ الطموحات التي انتظرها منه العالم وبلده. ففوزه فوزا كاسحا يعطيه بطاقة بيضاء ليكتب فيها ما يشاء، ولا سيما بعد سيطرة حزبه الديمقراطي على مجلس الشيوخ الذي بيده الحل والعقد. وهذه هي الدورة الرئاسية الأخيرة له. فليس له أن يقلق على نتائج أي انتخابات رئاسية مقبلة.

يؤمن الكثيرون بأن الفوز في أميركا يتوقف على دعم اللوبي اليهودي بما لديه من أموال ونفوذ في وسائل الإعلام والعلاقات العامة. ولكن في هذه الانتخابات وقف هذا اللوبي بقوة ضده. وبذل نتنياهو جل ما بوسعه في هذا الاتجاه حتى قيل إن الإسرائيليين المتطرفين قضوا ليلة الاقتراع يصلون ويبتهلون للرب أن يخذله وينصر خصمه. يشعر الإسرائيليون الآن أنهم قامروا على الحصان الخاسر وأن أوباما سينتقم منهم في حل المسألة الفلسطينية.

ما الجديد في هذه الانتخابات؟ لعبت الأقليات العرقية دورا حاسما في النتيجة. لقد صوت له 93 في المائة من السود و71 في المائة من اللاتين، و73 في المائة من الآسيويين. الجدير بانتباهنا أن الآسيويين الذين يشكل العرب والمسلمون الجزء الأكبر منهم، أصبحوا يشكلون 10 في المائة من السكان، والنسبة آخذة في التصاعد. هناك الآن تركيبة جديدة في المجتمع الأميركي، والشاطر من يعرف كيف يتعامل معها ويستفيد منها.

في ضوء كل هذه العوامل يأمل العرب أن يقدم أوباما ولا يتردد في فرض حل لمشكلة الشرق الأوسط. الحقيقة أن العالم كله ينتظر منه ذلك. وهذه هي محنته. فالمسألة الفلسطينية أصبحت عقدة يصعب كليا فكها. وأصبحت كذلك نتيجة الأخطاء المتواصلة التي ارتكبناها وساعدتنا إسرائيل على ارتكابها، وتأتي في رأيي الإصرار على شعار دولتين. يرى الكثير من المراقبين أن إقامة دولة فلسطينية أصبحت في حكم المستحيل حسب الظروف القائمة. كيف ننتظر من الرئيس الأميركي أن يتوصل لحل لهذه المعضلة؟ بدأ الكثيرون، بمن فيهم الإسرائيليون، يأخذون بفكرة الدولة الديمقراطية الواحدة ذات القوميتين، وهي الفكرة التي طالما طرحت في مراحل كثيرة من تاريخ المشكلة الفلسطينية وحاربها المتطرفون من كلتا الجهتين. تصطدم فكرة الدولة الواحدة مع أس الحركة الصهيونية وفلسفتها ألا وهي إقامة دولة يهودية. ضم العرب إليها ينسف الأكثرية اليهودية بمرور الزمن، ولا سيما إذا سمحوا بعودة اللاجئين.

الحقيقة أن التطرف الإسرائيلي ألقى بإسرائيل في هذا المطب فلا يعرفون كيف يخرجون منه. هناك بينهم من يؤمن بالصبر والانتظار حتى تتاح الفرصة لطرد معظم الفلسطينيين. بيد أن هذا الأمل يواجه الضمير العالمي الذي بدأ الآن في التحول ضدها. حتى في الشتات العالمي أخذ بعض اليهود يقرفون مما تفعله تل أبيب.

كيف سيستطيع أوباما أن يعثر على طرف الخيط في هذه «الشليلة» المخبوصة؟ إذا كان في الحكومة الإسرائيلية من يقضي ليالي في أرق، فلن يكون الرئيس الأميركي أكثر حظا منهم في محاولة تناول هذه المعضلة التي هلك بها الكثيرون من قبله.