الغواصة تعبر باب المندب

TT

عندما قرأنا، يافعين: «20 ألف فرسخ تحت سطح البحر» للفرنسي جول فيرن، اعتقدنا أن هدفه متعة التخيل. أقرأ الآن من جديد، فصلا ماتعا بعد آخر، وأكتشف أنه درس حقيقي في الجغرافيا. أراد أحد أوائل وأشهر كتّاب الخيال العلمي أن يقدم، ضمن إطار قصصي، كل ما توصل إلى علمه من جغرافية العالم. وهذا اخترع غواصة غريبة وقبطانا قاسيا وراح يبحر بنا، تحت السطح أحيانا، فوق السطح أحيانا، لكي يعرض علينا ما كان في تلك الأيام «صندوق الدنيا».

صدر كتاب جول فيرن عام 1870 وتدور أحداثه عام 1866. فهل ما زال مثيرا، فيما أعماق البحار تزدحم بالغواصات النووية؟ لا يزال. لم تفقد الرواية جمالياتها السردية ولا غرائبها من الوحوش الهائلة التي تحاصر الغواصة «نوتيليوس». مثل العالم البحري والكاتب المصري حسين فوزي الذي أبدع في حكايات السندباد، مخيلة وعلما وبحثا.

لم يفت الغواصة «نوتيليوس» الإبحار حول ساحل عُمان وعبور باب المندب. ومن البحر «يشاهد» جول فيرن مسقط، كبرى مدن عُمان: «أعجبني الإطار الغريب: صخور سوداء ترتاح فوقها بيوت بيضاء وقلاع. وقد رأيت قباب مساجدها المستديرة، والمآذن الجميلة لكن ذلك لم يكن سوى تخايل فسرعان ما غاصت نوتيليوس تحت أمواج ذلك الجزء من البحر».

بعد يومين تدخل الغواصة خليج عدن لتبحر منه إلى باب المندب «الذي يشبه القمع وتدخل منه المياه الهندية إلى البحر الأحمر». وفي اليوم التالي عدن، الشبيهة بجبل طارق، والتي أعاد البريطانيون بناء تحصيناتها منذ الاستيلاء عليها عام 1839. «شاهدت من بعيد رؤوس المآذن في هذه البلدة التي كانت ذات يوم أغنى مركز تجاري على الشاطئ، كما يقول المؤرخ الإدريسي».

عندما تمر الغواصة في باب المندب، أو «بوابة الدموع» كما يترجمها لقارئه، لا ينسى أن يعلمنا بأن عرض المضيق لا يزيد على 20 ميلا و32 ميلا طولا، قطعتها الغواصة خلال ساعة: «وكانت هناك سفن بريطانية وفرنسية كثيرة، من تلك العاملة على خط السويس - بومباي من كالكوتا إلى ملبورن ومن بوربون إلى موريشيوس. ولذلك بقينا نبحر تحت سطح المياه، وحرمنا هذا من رؤية جزيرة بيريم. وأخيرا، عند الظهر، دخلنا مياه البحر الأحمر».

درس مختصر في الجغرافيا في إطار روائي. هذا ما نكتشفه كبارا. لكن هذا ينزع عن جول فيرن تلك الصورة الأسطورية الممتعة. ليته ظل مبهرا، يسر لكنه لا يصدق.