لماذا لن تدير الصين خدها الآخر لمن لطمها؟

TT

إن تغيير القيادة الصينية الذي بدأ الأسبوع الماضي يأتي في ظل تصاعد ضغوط داخلية تطالب ثاني أكبر اقتصاد في العالم بتشديد سياسته الخارجية بحيث تتماشى مع مقدرته الاقتصادية. إلا أن بكين حريصة على منع العالم من التوصل إلى استنتاج مفاده أن الصين قد تخلت عن فكرة النهوض السلمي. ولذلك فقد انتهجت سياسة «رد الفعل الحازم»، وهو تكتيك في مجال السياسة الخارجية أتقنته الصين أثناء النزاعات البحرية المنخرطة فيها حاليا، وهذا المنهج يسمح لبكين باستغلال ما ترى أنه استفزازات كفرصة لتغيير الوضع الراهن لصالحها، مع الإصرار في الوقت نفسه على أن الطرف الآخر هو من بدأ، فمن يتوقعون أن تغض الصين الطرف عن ذلك مخطئون.

ويقدم الصدام طويل الأمد مع اليابان فيما يتعلق بالسيادة على عدد قليل من الجزر الصغيرة مثالا حيا على هذا المنهج، فقد أعلنت الحكومة اليابانية في سبتمبر (أيلول) الماضي أنها على وشك إتمام صفقة الشراء مع مالك الجزر المتنازع عليها - التي تسمى سينكاكو في اليابان ودياويو في الصين - في بحر الصين الشرقي، إلا أن بكين فسرت هذه الخطوة على أنها خيانة لاتفاق البلدين على نبذ خلافاتهما، ورأت أن توقيت هذه الخطوة هو محاولة متعمدة لتعطيل عملية نقل القيادة وزعزعة الاستقرار في لحظة شديدة الحرج.

وكان رد فعل الصين حاسما، من خلال ما أطلقت عليه وسائل الإعلام الحكومية «لكمات مزدوجة»، وهي إجراءات تفاوتت من الانتقام اللفظي - عن طريق وصف الزعيم القادم شي جين بينغ لشراء اليابان لتلك الجزر بأنه «مهزلة» - إلى الانتقام الاقتصادي، والاحتجاجات واسعة النطاق ضد اليابان، والممارسات البحرية في بحر الصين الشرقي.

إلا أن العامل الحاسم الحقيقي في هذه المواجهة جاء عندما أعلنت بكين خطوط حدودها الإقليمية حول تلك الجزر، وهي خطوة تضع هذه الجزر قانونا تحت الإدارة الصينية. وما إن صدر هذا الإعلان حتى بدأت الصين في نشر دوريات زوارق فرض القانون كي تجوب المياه المحيطة بالجزر المتنازع عليها، في تحد سافر لسيطرة اليابان الفعلية على المنطقة طيلة الـ40 عاما الماضية، هذا هو الوضع الطبيعي الجديد حسب المسؤولين الصينيين.

وفي الأسابيع الأخيرة، دأبت وسائل الإعلام الصينية على قرع الطبول المهللة للجهود التي تبذلها الزوارق الصينية لطرد زوارق خفر السواحل اليابانية. ومن خلال تذكير العالم بأن طوكيو هي من بدأ المتاعب كلها، تزعم الصين أن العبء يقع بالكامل على عاتق اليابان في العثور على طريقة للخروج من هذه الفوضى.

وقد تم استخدام إجراء ثقيل الوطأة مشابه ضد الفلبين في مشاجرة بسيطة وقعت في أبريل (نيسان) الماضي على جزيرة سكاربورو شول في بحر الصين الجنوبي، حيث ردت مانيلا بطريقة خرقاء على شجار وقع بسبب الصيد عن طريق إرسال سفينة حربية، استغلت الصين هذه الفرصة لتعزيز الادعاء بأحقيتها في الجزيرة المتنازع عليها عن طريق توجيه زوارق فرض القانون إلى المنطقة، وتوسيع نطاق الحظر السنوي الذي تفرضه من جانب واحد على الصيد ليشمل المياه المحيطة بالجزيرة، وفرض الحجر الصحي على واردات الفواكه الاستوائية وإيقاف السياحة القادمة من الفلبين، وحظر التوجه إلى مصب البحيرة لمنع الصيادين الآخرين من الدخول. ومن خلال الإبقاء على دوريات فرض القانون المنتظمة ومنع الصيادين الفلبينيين من دخول تلك المياه، تمكنت الصين من خلق وضع راهن جديد لصالحها.

وبعد ذلك تم استخدام خطة مشابهة في يونيو (حزيران) الماضي ردا على قانون بحري صدر في فيتنام، من خلال وضع ضوابط تنظيمية ملاحية جديدة تغطي جزيرتي سبراتلي وباراسيل المتنازع عليهما. وقبل أن يجف حبر هذا القانون، قامت الصين برفع مستوى الوضع الإداري لمدينة سانشا التي تشمل مجموعة من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، كما أقامت حامية عسكرية هناك.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد عرضت «شركة الصين الوطنية للنفط البحري» عقود انتفاع للتنقيب عن النفط في 9 مربعات تقع داخل «المنطقة الاقتصادية الحصرية» التي أقامتها فيتنام، وهي تتداخل مع المربعات التي عرضتها شركة «بترو فيتنام».

وأحد العناصر الأساسية في اللكمات المضادة التي تصوبها بكين استخدام العقوبات الاقتصادية، مثل تعليق الواردات أو إيقاف السياحة أو تشجيع المقاطعة التجارية أو عرض حق الانتفاع بمربعات نفطية في مناطق متنازع عليها أو إعاقة وصول سفن الصيد.

وعلى عكس الحقبة التي كانت السياسة الخارجية الصينية إبانها تهدف إلى خدمة النمو الاقتصادي، فإن الصين الآن تزيد من استخدام قوتها الاقتصادية لتحقيق غايات سياسية، حتى عندما يكون هذا مضرا بالصين نفسها، إذ يؤكد محلل صيني أن «هذه الإجراءات سوف تضر بالصين، إلا أنها تضر باليابان أكثر».

ومن جانبها، تقول اليابان إنها اشترت تلك الجزر من أجل منع عمدة طوكيو العنيد من الاستحواذ عليها وتنفيذ خطة للبناء عليها، وهي ترغب أيضا في تجنب «توجيه لكمة إلى وجه القيادة الصينية الجديدة» بعد عملية نقل السلطة مباشرة.

والآن فإن المحللين في بكين يزعمون أنه قد تم رفع الغطاء عن شرور صندوق «الباندورا»، وأنه لا توجد عودة إلى الاتفاق الضمني الذي حافظ طيلة عقود على السلام في بحر الصين الشرقي.

وفي اللحظة الراهنة، فإن بكين مشغولة أساسا بالمحافظة على قوة الدفع التي تحظى بها عملية التنمية الاقتصادية ومنع تفجر المتاعب المحلية وتحولها إلى اضطرابات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، والقادة الجدد لن يرغبوا في أن يظهروا بمظهر الضعفاء، لذا فإنهم يشحذون أسنة سياستهم الخارجية التي تقوم على «الحزم في رد الفعل». وإذا استشعرت الصين بإهانة، مهما صغر شأنها، فتوقعوا منها أن تنتفض وبقوة.

* مستشارة في شؤون الصين ومديرة مشروع «شمال شرقي آسيا» لدى «مجموعة الأزمات الدولية» وهي مقيمة في بكين