الأمة النائمة والمريضة

TT

من السويد يسألنا القارئ الفاضل عمر كركوكلي عن العلاج الناجع لشفاء أمتنا المريضة. يا سيدي أنت تعيش في السويد، هذه المملكة العامرة والمزدهرة والتي آوتك وآوت آلاف اللاجئين العرب والمسلمين. انظر ما الذي فتح لها أبواب الخير وأعطاها هذه القوة الدافعة للنمو والثروة والارتقاء. ما من شك فيه أنه العلم والتقنية والتفكير الحر. هذا هو دواء كل أمة متخلفة تسعى للنهوض. اسأل فضلا عن ذلك، ما الذي أعطاها أيضا هذه الحياة الهادئة والمستقرة والمنعمة بالأمن والسلام؟ إنه العلم أيضا فالعلوم تفتح ذهن المواطن للتفكير العقلاني الذي يقنعه بأن السلام خير من الإرهاب وخير من العنف. وهنا لا بد لي أن أستشهد بقارئ آخر، السيد شوقي قزاز. يقول لم يسبق لأي عالم أو فيلسوف أن قتل أحدا ولكن الكهنة تسببوا في قتل الألوف بل والملايين.

ويجرنا هذا الكلام لما يقوله السيد محمد السومري. يسألني لماذا أتجاهل النهضة العلمية والثقافية والاقتصادية التي حققها صدام حسين للعراق. وهو ما انتقدني عليه قراء آخرون أيضا. لي جواب مزدوج في هذا الصدد. أتفق معهم بأن العراق حقق في السبعينات نموا هائلا في معظم الميادين. وكنت شخصيا ممن ساهموا فيه ولو بشكل متواضع. ولو أن صدام حسين واصل هذه المسيرة لربما أصبح العراق أقوى قوة متطورة في الشرق العربي. ولكنه كان حاكما مستبدا والحكام المستبدون يجرهم الغرور ويسدون آذانهم لنصائح الغير فيقعون في الغلط. وكانت غلطة صدام حسين المهلكة هجومه على إيران، وهذه الغلطة عمقت ديكتاتوريته وجرته إلى غلطة أفظع بهجومه على الكويت ثم رفضه الانسحاب منها بالتي هي أحسن.

ما فعله صدام حسين كان مطابقا لما فعله هتلر ونابليون. يبدأون بالسعي لتطوير بلدهم وتنميته وتعزيز قوته وثروته ونهضته ولكنهم يفعلون كل ذلك في خدمة المرحلة الثانية الميغالومينية (جنون العظمة) التي في ذهنهم، وهي التجبر والغزو والشقاوة واستعراض العضلات والعظمة. فيقعون من صهوة جوادهم ويكسرون رقبتهم.

بيد أن الألمان والفرنسيين كانوا شعوبا ناهضة متدرعة بالعلم والعقلانية ومسلحة بالتكنولوجيا فاستطاعوا تجاوز النكسة في سنوات قليلة واستأنفوا مسيرتهم الحضارية. وهو كما يؤسفني ما لم ينعم به الشعب العراقي فعجزوا عن تجاوز النكسة وعن الشروع بمسيرة حضارية واعية تلحقهم بالأمم الأخرى الناهضة.

بيد أنني تلقيت أيضا الكثير من التعليقات المشجعة بالنسبة لمستقبل العراق على هامش ما كتبته بعنوان «أنا عراقي – أنا أقرأ» فطالما كانت في نفوس العراقيين هذه الرغبة الجامحة للتعلم والمعرفة والاطلاع فإنني أشعر بالثقة التامة في أنهم سيتجاوزون هذه المرحلة ويثوبون إلى وعيهم ويبدأون بالزحف الحضاري المطلوب، فكما قال ونيستون تشرشل في الساعات الحالكة من الحرب العالمية الثانية: لا تقنطوا وشدوا عزائمكم فمن أحلك الظلمات يبزغ الفجر.