الرئيس الصيني الجديد وتحديات الإصلاح الاقتصادي

TT

بعث مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الذي يعقد كل خمس سنوات والذي أزاح الستار عن القيادة الجديدة يوم الخميس الماضي – وإن كان بشكل غير متعمد – بعث برسالة إلى بقية دول العالم تعكس التحديات التي تواجه آخر دولة كبرى يحكمها حزب شيوعي.

وكان زعيم الحزب المنتهي ولايته هو جينتاو قد افتتح الاجتماع في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) بالحديث عن قائمة من المشكلات التي تواجه البلاد. وكان من الواضح وجود حاجة ماسة للإصلاح حتى يمكن التعامل مع تلك المشكلات. وعقب توليه قيادة الحزب يوم الخميس الماضي، قال شي جين بينغ للصحافيين إن هناك حاجة ملحة لبذل المزيد من الجهد من أجل الشعب الصيني والتعامل مع قضايا الفساد والبيروقراطية في الحزب.

ومع ذلك، انتهى الحزب بتعيين مجموعة القيادة، أو ما يسمى باللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب، لتكون ذات أغلبية محافظة، بعدما تم استبعاد اثنين من الإصلاحيين البارزين. وأسفرت المساومات التي دارت من وراء الكواليس طوال العام عن تشكيل لجنة دائمة من سبعة رجال، بطريقة تعكس رغبة قيادات الحزب في العبور بسلام من تلك الفترة الانتقالية التي تمر بها البلاد كل عشر سنوات. وتم تصعيد الشخصيات الحزبية الموثوق بها والتي التزمت بخط الحزب الرئيسي دون الإعراب عن أي آراء خاصة بها.

وتشير التقارير الواردة من داخل الحزب، وكذلك الخطابات، إلى أن قادة ثاني أكبر اقتصاد في العالم يدركون جيدا أن هناك حاجة ماسة لتغيير النموذج الذي دفع البلاد إلى الأمام منذ بداية الإصلاح الاقتصادي عام 1978 والتعامل مع التطورات السريعة التي يشهدها المجتمع.

ولم تعد العناصر الرئيسية الثلاثة للنمو التي دافع عنها دنغ شياو بينغ – العمالة الرخيصة ورأس المال الرخيص والطلب القوي على الصادرات – كما كانت عليه من قبل، حيث ارتفعت الأجور وأصبح رأس المال أكثر تكلفة وأصبحت الأسواق المتطورة أكثر بطئا وركودا، كما تقلص القطاع الخاص الذي ساهم بقدر كبير في نمو السلطة في الثمانينات من القرن الماضي نتيجة ظهور مؤسسات الدولة القوية.

وأدى التفاوت الكبير في الثروة إلى زيادة السخط العام، علاوة على أن الصين تعاني من مشاكل كبيرة في التلوث والفساد. وفي الوقت الذي زادت فيه الحريات الفردية بشكل كبير، فإن أي شخص يدافع عن الديمقراطية التنافسية خارج منظومة الحزب الواحد من المرجح أن ينتهي به المطاف داخل السجون. وعلاوة على ذلك، فإن القيود السياسية المفروضة في البلاد منذ وصول الحزب الشيوعي للسلطة عام 1949 لا تتماشى تماما مع المجتمع الحديث في ظل وسائل الإعلام الاجتماعية.

ويرى المعجبون بالنظام الصيني في الحكم أنه نظام قائم على الجدارة والكفاءة، على عكس السياسيين الغربيين الديمقراطيين الذين يتلمسون طريقهم بارتباك شديد. ولكن هذه الجدارة بشكلها الحالي تضم قاعدة صغيرة لا تزيد عن 6% فقط من الشعب الذين هم أعضاء في الحزب الشيوعي، علاوة على أن معايير التصعيد داخل الحزب غير شفافة بالمرة، كما تؤدي المحسوبيات الشخصية والعلاقات القائمة على المحاباة بين الكبار والشباب إلى تشويه صورة هذا النظام، كما هو واضح من خلال ظهور الزعيم السابق للحزب جيانغ تسه مين في القيادة الجديدة للحزب مرة أخرى، رغم أنه كان من المفترض أنه تقاعد قبل 10 سنوات من الآن.

واعترف جينتاو ببعض من هذه المشكلات في كلمته الافتتاحية، وقام بتصفية الأجواء من خلال تنحيه عن رئاسة اللجنة العسكرية بدلا من محاولة البقاء، كما فعل سلفه جيانغ. ومع ذلك، أصر جينتاو، مثله في ذلك مثل أي شخص آخر في قيادة الحزب، على أن النظام السياسي سوف يظل كما هو.

ومن دون الاستعداد لقبول التغيير، بما في ذلك الإصلاح القانوني، فإن التصدي للعيوب الكثيرة فيما يسمى بالنموذج الصيني يكاد يكون مستحيلا. إن الطبيعة الشاملة للنظام وضعف المجتمع المدني يعني أن الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد بقوة سيكون لها عواقب سياسية ستشهد معارضة من أصحاب المصالح الخاصة الذين يعملون جيدا خارج إطار الترتيبات الحالية ولهم من العلاقات السياسية ما يمكنهم من وقف هذا التغيير.

وتمت الإطاحة بالرجلين (لا يوجد أي سيدات في القيادة العليا للحزب) اللذين ينتهجان نهجا إصلاحيا من السباق نحو اللجنة الدائمة، وهما وانغ يانغ، وهو سكرتير الحزب في مقاطعة قوانغدونغ التي تعد أغنى المقاطعات الصينية، ولي يوان تشاو، وهو المدير التنظيمي للحزب.

وإذا سألت مصادر مطلعة داخل الحزب عن السبب وراء صعود شي جين بينغ لرئاسة الحزب، فسيقولون لك لأن الكثير من مجموعات المصالح تشعر بالراحة تجاهه. ولم يقل شي شيئا بشأن موقفه من قضايا السياسات المثيرة للجدل، وهو ما يجعله رمزا للقيادة الشيوعية التي تطورت من مجرد مغامرة من قبل رجل واحد وهو ماو تسي تونغ إلى ما يشبه مجلس إدارة سري ومحافظ يعيش بمنأى عن أنظار الرأي العام، ولا يأخذ في الحسبان نتيجة قراراته ويعتمد على تدفق أعداد كبيرة من الصينيين للانضمام للحزب. وأيا كانت نظرتنا للعملية السياسية في الولايات المتحدة، فإن التناقض الشديد مع المناظرة الرئاسية المفتوحة التي شهدتها الولايات المتحدة هو شيء لافت للنظر في حقيقة الأمر، كما هو الأمر مع عدم وجود مشاركة شعبية.

قد يكون هذا مفهوما بالنسبة لنظام يفرض على نفسه حماية ذاتية، ولكنه خطر على الصين التي تمر بمرحلة حاسمة من تطورها، وتحتاج إلى خارطة طريق جديدة للسنوات القادمة، ولكن النظام السياسي المغلق والمصالح الاقتصادية والسياسية الراسخة والمتأصلة تقف في طريق تحقيق ذلك.

والآن بعدما أصبح تشي هو زعيم الحزب الشيوعي الحاكم، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكن لشي أن يخرج عن مساره المعروف هو والنظام الذي تربى داخله من أجل الدخول في عملية الإصلاح – وهل يريد حقا أن يقوم بالإصلاح، وهل سيسمح له هذا النظام بالقيام بذلك؟ في الحقيقة، هناك الكثير من الأمور المجهولة المثيرة للقلق، مع الأخذ في الاعتبار الثقل العالمي للصين.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* العضو المنتدب لشركة استشارية في الأسواق الناشئة ومؤلف كتاب «رأس النمر وذيول الأفعى»