الحياة والموت وعجز الميزانية

TT

يعج المشهد السياسي الأميركي بكثير من الأفكار الغريبة - معتقدات بشأن السياسة تم تفنيدها مرارا بأدلة وتحليلات، لكنها أبت أن تموت. أبرز هذه الأفكار الغريبة هو الإصرار على أن خفض الضرائب على الأغنياء هو مفتاح الرفاهية. لكن هناك أفكارا أخرى.

ولعل أخطر هذه الأفكار الغريبة تلك التي تزعم أن رفع متوسط العمر المتوقع يبرر الارتفاع في سن تقاعد الضمان الاجتماعي وسن استحقاق الرعاية الصحية. حتى إن بعض الديمقراطيين - بما في ذلك الرئيس، بحسب تقارير - بدوا على استعداد لتقبل هذه الفكرة. لكنها فكرة قاسية وحمقاء؛ قاسية في حالة الضمان الاجتماعي وحمقاء في حالة الرعاية الصحية، ولا ينبغي أن ندعها تتسلل إلى عقولنا.

بادئ ذي بدء، يجب أن نعلم أن ارتفاع متوسط العمر المتوقع عند الميلاد لا علاقة له بذلك، فما يهم هو متوسط العمر المتوقع بالنسبة للأفراد في سن التقاعد أو القريبين منه. على سبيل المثال، عندما أعلن آلان سيمبسون، رئيس مشارك في لجنة عجز الميزانية التي شكلها الرئيس أوباما، أن الضمان الاجتماعي «لم يكن يقصد به على الإطلاق أن يكون برنامج تقاعد»، لأن متوسط العمر المتوقع عندما وضع كان 63 عاما فقط، كان يبرز جهله. فحتى الأميركيون الذين بلغوا سن الخامسة والستين في الأربعينات كانوا قادرين على العطاء لسنوات أخرى.

الآن، ارتفع متوسط العمر المتوقع من سن الخامسة والستين أيضا. لكن الزيادة لم تكن متكافئة على الإطلاق منذ بداية السبعينات، حيث كان الأثرياء نسبيا والمتعلمون تعليما جيدا فقط يحصدون مكاسب كبيرة. مع الأخذ في الاعتبار أيضا أن سن التقاعد الكامل قد ارتفع بالفعل إلى 66 عاما، وقد تقرر رفعه إلى 67 عاما بموجب القانون الحالي.

هذا يعني أن مزيدا من الزيادة في سن التقاعد سيشكل ضربة قوية للأميركيين في النصف الأسفل من توزيع الدخل، الذين لا يعيشون عمرا أطول، ومن هم، في كثير من الحالات، يعملون في وظائف تتطلب مجهودا بدنيا تشكل حتى صعوبة بالنسبة للمشرفين الأصحاء. وهؤلاء تحديدا الأفراد الذين يعتمدون على الضمان الاجتماعي.

لذا فإن أي زيادة في سن تقاعد الضمان الاجتماعي ستكون قاسية، كما قلت، وتضر بغالبية الأميركيين الأكثر ضعفا، وهذه القسوة ستكون غير مبررة، لأنه في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة مشكلة طويلة الأمد في الميزانية، لا يمثل الضمان الاجتماعي عاملا رئيسيا في تلك المشكلة.

من ناحية أخرى، تمثل الرعاية الصحية مشكلة الميزانية الكبرى، لكن رفع سن استحقاق الرعاية الصحية، التي تعني إجبار كبار السن على السعي للحصول على تأمين خاص، لن يتمكن من حل تلك المشكلة.

صحيح أنه بفضل برنامج الرعاية الصحية الذي وضعه أوباما سيتمكن كبار السن من الحصول على التأمين من دون الرعاية الصحية (على الرغم من ذلك، ماذا يحدث إذا رفضت عدة ولايات توسيع الرعاية الصحية التي تعد ركيزة أساسية في البرنامج؟) لكن لنكن صرحاء، إن التأمين الحكومي من خلال الرعاية الصحية أفضل وأكثر فعالية في التكلفة من التأمين الخاص.

ربما تتساءل عن السبب، في هذه الحالة، في أن الرعاية الصحية لم تُمد إلى الجميع، في مقابل إنشاء نظام لا يزال يعتمد على شركات التأمين الخاصة. الإجابة بطبيعة الحال هي الواقعية السياسية؛ فنتيجة لقوة صناعة التأمين، كان على إدارة أوباما الحفاظ على وجود تلك الصناعة. لكن القول إن الرعاية الصحية للجميع ربما كانت صعبة المنال سياسيا ليس سببا لطرد الملايين من الأميركيين من نظام جيد إلى آخر أسوأ.

ماذا سيحدث إذا رفعنا سن استحقاق الرعاية الصحية؟ لن توفر الحكومة الفيدرالية سوى قدر ضئيل من المال، لأن كبار السن في بدايات الستين أصحاء نسبيا، ومن ثم ستكون التكلفة منخفضة. بيد أن هؤلاء المسنين سيواجهون في الوقت ذاته ارتفاعا حادا في التكلفة يفوق قدرتهم، فكيف يمكن لهذه المفاضلة أن تكون سياسة جيدة؟

الفكرة الأساسية هي أن رفع سن استحقاق معاشات الضمان الاجتماعي أو الرعاية الصحية سيكون مدمرا، ويجعل حياة الأميركيين غير مساهمة بشكل فاعل في خفض العجز. ويحتاج الديمقراطيون الذين يدرسون كلا الحلين إلى سؤال أنفسهم ما الذين يعتقدون أنهم يفعلونه.

لكن السؤال الذي يطرحه المنتقدون: ما الذي يمكن أن يقترحه أشخاص مثلي؟ الإجابة هي القيام بكل تفعله كل الدول المتقدمة الأخرى، والقيام بجهود جادة في كبح نفقات الرعاية الصحية. أعطوا الرعاية الصحية القدرة على التفاوض على أسعار الدواء. واسمحوا للهيئة الاستشارية المستقلة للدفع، التي أنشئت كجزء من برنامج الرعاية الصحية لمساعدة البرنامج في ضبط النفقات، والقيام بمهمتها بدلا من البكاء على «لجان الموت». (أليس من الغريب أن يقوم ذات الأفراد الذين رفضوا محاولات مساعدة الرعاية الصحية في خفض النفقات أن يبدوا رغبة الآن في طرد الملايين من الأفراد خارج البرنامج كلية؟).

نحن نعلم أن لدينا نظام رعاية صحية به حوافز مختلفة ونفقات متضخمة، إذن لماذا لا نحاول تعديلها؟

ما نعلمه على سبيل اليقين هو أنه لا توجد حجة منطقية لرفض انضمام كبار السن من الأميركيين إلى البرامج التي يعتمدون عليها. ينبغي أن يكون ذلك خطا أحمر في أي مفاوضات للميزانية، ولا يسعنا فقط سوى الأمل في أن لا يخيب أوباما آمال مؤيديه بتجاوزه.

* خدمة «نيويورك تايمز»