الكلمة للناخب الإسرائيلي

TT

إن اختار الإسرائيليون بنيامين نتنياهو في الانتخابات المقبلة، فستكون أربع سنوات أخرى من سوء إدارة الوضع الأمني في إسرائيل، وتعطيلا لمفاوضات التسوية، وفي الحالتين المواطن الإسرائيلي هو الخاسر الأكبر.

الراديكالي نتنياهو الذي يقامر اليوم بالهجوم على غزة من أجل الانتخابات، سبق أن تلقى هزيمة من إيهود باراك في انتخابات 1999، كما أنه لم يحظ بالأغلبية في انتخابات 2009 أمام غريمته تسيبي ليفني التي حققت أغلبية غير كافية لتشكيل الحكومة، فكلفه شيمعون بيريس تشكيلها، أي إنه الآن رئيس وزراء بالدعوة وليس بالاستحقاق الانتخابي، وسيحارب بشراسة لئلا يتلقى هزيمة ثالثة، خاصة أنه ليس في مواجهة هذه المرة مع معارضة صلبة.

من سوء حظ العرب أن تولى نتنياهو رئاسة الحكومة بالتزامن مع فوز أوباما بالانتخابات الأميركية، والذي كان حريصا على معالجة الجرح الذي أصاب العلاقات العربية - الأميركية في عهد سلفه بوش الابن. وحقا، فقد بادر بجمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في البيت الأبيض لحثهم على بدء التفاوض، رغم أن أحدا لم يستبشر بهذا الاجتماع خيرا؛ فالفلسطينيون اشترطوا لبدء المفاوضات وقف المشاريع الاستيطانية والتوقف عن منح تصاريح البناء، والإسرائيليون يسخرون منهم بأن كل يوم يمر من دون تفاوض يكفي لإقامة مستوطنة جديدة. بالنهاية لا تفاوض حصل، ولا وقف للاستيطان، ومع حلول الربيع العربي اهتزت الطاولة فتراجع الملف الفلسطيني إلى الخلف.

حركة حماس التي تدير القطاع ليست بريئة من الهجوم الذي تشهده غزة اليوم، لأنها مدركة أن عملياتها القتالية المتواضعة متكأ لإضفاء مشروعية على انتقام إسرائيلي شرس، إضافة إلى مأخذ إنساني كبير على حكومة حماس المقالة أنها انتهجت ما فعله حزب الله في لبنان في حرب 2006 بترسية مواقع إطلاق الصواريخ على إسرائيل من داخل المناطق السكنية، وتحديدا من المساجد والمدارس، أي إن الفلسطينيين المدنيين أصبحوا أهدافا مشروعة لنيران العدو، وكان الأحرى بها مع كل صفقة سلاح تسلمتها بناء أقبية يلجأ إليها المدنيون الذين لم يستشرهم أحد في الدخول لهذه المعركة.

من الأهمية رؤية ما تقوم به حماس بواقعية، وتحديدا من زاوية التغير الكبير الذي طرأ على ظروفها. انهيار علاقة حماس بالنظام السوري شكل ضربة فجائية على رأس الحركة، خاصة قيادات الخارج التي كانت تتخذ من دمشق مركزا إداريا وتشعر بأن لديها اليد العليا على قيادات الداخل، فهي عمليا التي تنفق على البيت الحمساوي وتحميه سياسيا. إنما حماس لم تقرر الافتراق عن نظام الأسد لتظل مكشوفة بلا غطاء، هذا أمر مستبعد، بدليل أن إعلان موقفها من الثورة السورية لم يحصل إلا بعد نحو عام من بدء الثورة، رغم أن آلة القتل لم تتوقف لليلة واحدة، ورغم أن بطش جيش بشار الأسد طال المخيمات الفلسطينية. من الواضح أن حماس لم تحدد موقفها من الثورة السورية إلا بعد أن اطمأنت على قوة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

براغماتية شديدة تمارسها حماس للحفاظ على مكتسباتها السياسية، فهي تظهر متضررة من استهداف إسرائيل لقياداتها، وتدعي أنها وقعت ضحية حسابات الانتخابات الإسرائيلية. ربما هي على حق، ولكن الحقيقة أيضا أن حتى حماس لديها حسابات انتخابية، وأمامها نصف الشارع المصري حانق عليها بعد أن تشكلت لديه قناعة بأنها تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الانفلات الأمني في سيناء، وأن يدها ليست نظيفة بشكل مباشر أو غير مباشر مما يجري. دور الضحية الذي تلعبه الحركة أكسبها، إضافة إلى الإسلاميين، تعاطف القوميين واليساريين في مصر، ورفع الحرج عن القيادة المصرية، فانتعشت دبلوماسية الصالونات المليئة بلغة التعاطف.

إلا أن أسوأ ما في إدارة أزمة غزة أن مصر، رأس الحربة، لا تثق بما تفعل. فهي تدير الأزمة بعاطفة جياشة، وتستمع لمطالبات تحثها على تفعيل نظرياتها الإخوانية لاسترجاع الحق العربي المسلوب والكرامة المستباحة على وثيقة كامب ديفيد. هذه المطالبات هي أكبر من مصر في الوقت الراهن، ولذلك كان في رد القيادة المصرية رسالة واضحة وصادقة للجميع من خلال زيارة رئيس الوزراء هشام قنديل للقطاع لمدة ساعة واحدة وفي يده وزير الصحة، وليس الدفاع، ليشرف على نقل الجرحى إلى المستشفيات المصرية.

يخطئ حزب الحرية والعدالة بتصريحهم رفض دور مصر السابق كوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين، وتأكيدهم أنهم لم يعودوا وسطاء بل منحازون إلى الفلسطينيين. الوساطة ليست عملا سلبيا، ولا تخليا عن الواجب العروبي، بل هي أهم ما تقدمه مصر للقضية الفلسطينية، لأنها الدولة الوحيدة التي تتوافر فيها كل المقومات التاريخية والجغرافية والسياسية للعب هذا الدور المهم. أما الانحياز السياسي، فسيكون عليه استحقاقات كبيرة، لن تستطيع مصر الوفاء بها، ولن يطال القيادة الإخوانية سوى تراكم الوعود والخطابات الدعائية مقابل عمل متواضع.

الناخب الإسرائيلي يراقب كل هذه التحولات؛ مصر الحائرة، والأردن بأزماته الداخلية، والجولان المتوترة، إضافة إلى تراجع الرضا عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية ومعدلات البطالة، وجنوح رئيس الحكومة إلى الإثارة بالتهويل من خطر إيران المنهارة اقتصاديا أو الفصائل المسلحة المهادنة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية، ليبقى الملف الأمني الورقة الرابحة للساسة الإسرائيليين في سباق السلطة.

أمام هذه التحديات، غير مهم أن يكون أحمد الجعبري لنتنياهو كما كان بن لادن لأوباما، لأن أوباما لم يكسب معركته الانتخابية إلا بإخراج الجنود الأميركيين من العراق، وخفض نسبة البطالة، وتعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، وتحسين الخدمات الصحية، وهي الأمور التي من المفترض أن تشغل بال الإسرائيليين أثناء هرعهم إلى السراديب للاحتماء من الصواريخ الطائشة.

[email protected]