مرسي في الاختبار

TT

بين حربي 2008 و2012 في غزة، جرت مياه كثيرة وتغير شكل الخريطة الإقليمية إلى حد كبير بما في ذلك لاعبون رئيسيون، لكن لم تتغير معطيات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بما في ذلك الانقسام بين غزة ورام الله، وكان الترقب الأكبر هو كيف سيتصرف الرئيس المصري في النظام الجديد الذي انبثق عن «25 يناير»، وهو القادم من حركة الإخوان المسلمين وثيقة العلاقة بحماس الحاكمة في غزة.

وقد كانت هناك الكثير من الآراء التي رأت في الحرب الحالية في غزة اختبارا للرئيس المصري محمد مرسي والتي انفجرت فجأة، في ظرف كانت الأنظار فيه مركزة على سوريا وما يحدث فيها من أهوال، وذهبت الكثير من الآراء الغربية إلى أن الاختبار من الجانبين؛ إسرائيل وحماس، اللذين يريدان معرفة سياسة النظام الجديد في مصر، وإلى أي مدى يمكن أن يمضي، في أول أزمة كبرى على حدوده مباشرة، هل يمكن أن يتهور في مغامرات تعرض مصر، وهي لا تزال تسعى لإعادة الاستقرار داخليا، للخطر، أم سيتصرف كرجل دولة في توازن دقيق بين التعاطف الشعبي المصري مع غزة، وعدم تعريض المصالح المصرية للخطر، في ظل توازنات قوى وارتباطات دولية واستحقاقات داخلية ملحة.

ويبدو أن الرئيس المصري الجديد، أو النظام الجديد، اجتاز الاختبار حتى الآن، على الأقل لصالح رجل الدولة، فلم يلجأ إلى المغامرات، والخطوات غير المحسوبة التي قد تكسبه شعبية وقتية بين جمهوره، ولكن إلى الدبلوماسية والاتصالات بطرفي الأزمة وبالقوى الدولية والإقليمية المؤثرة التي تستطيع أن تمارس ضغطا من أجل تحقيق تهدئة على الأرض، توقف الحرب الدائرة التي يدرك الطرفان المشتبكان فيها أنها لن تؤدي إلى حسم شيء، حتى لو حدث اجتياح بري إسرائيلي.

وبقدر ما تستطيع القاهرة النجاح في السير على هذا الحبل المشدود وبقدر ما ستتوافر لها من أوراق يمكن أن تستثمر بها اللحظة الحالية في دفع الأطراف الدولية المؤثرة، خاصة الولايات المتحدة، إلى العودة إلى دور نشط في تسوية الصراع والوصول إلى تسوية شاملة.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن المؤشرات لا تسير لصالح التصعيد أو الاجتياح البري، فالعالم الغربي الذي اعتبر أن القصف الإسرائيلي مبرر ردا على الصواريخ التي تطلق من غزة، أرسل أكثر من إشارة إلى تل أبيب بأن الاجتياح البري قد يبدل المواقف وقد يصعب تأييده، كما قال وزير خارجية بريطانيا ويليام هيغ.

وقد جاء المؤتمر الصحافي الذي عقده خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، في القاهرة، والذي يتزامن مع وجود وفد إسرائيلي يبحث هو أيضا شروط التهدئة، ليصب في هذا الاتجاه، فأبرز ما قاله مشعل أنهم ليسوا متهورين، وأنهم لا يريدون التصعيد أو استجلاب الحرب البرية، وهو ما يعني أن حماس تريد التهدئة، وبذلك ألقى بالكرة في الملعب الإسرائيلي. الملاحظ أيضا في كلام مشعل أنه حرص على توجيه رسالة إلى المصريين، مضمونها أنهم يعرفون أن أولوياتها داخلية، وأنهم حريصون على أمن سيناء، وذلك لتبديد المخاوف المصرية من الانفلات الأمني، الراجع جزء منه إلى الوضع في غزة والأنفاق.

لقد تغير الموقف بالنسبة إلى حماس، فحليفها الإقليمي على مدار عقود، وهو النظام السوري، قد تغير، وأغلق مكاتبها، وهي لم تعد تستطيع تبرير العلاقة معه وهو يمضي في مجازره ضد شعبه، وهي مضطرة إلى الاعتماد أكثر على القاهرة، وهو ما سيفرض عليها، بشكل أو آخر، تغييرات لأن طبيعة المصالح مختلفة، فالنظام في سوريا كان يرى فيها مجرد أداة أو ورقة في صراعاته الإقليمية، وليست له مصلحة في حل، والمصالح المصرية مع إيجاد حل قابل للاستمرار على الأرض، يوفر البيئة اللازمة لها للتفرغ لقضايا التنمية ويقلل المخاطر الأمنية.