فرنسا والعرب اليوم!

TT

القيادة الأوروبية تتبدل، على الأقل في الأدوار المحددة. تاريخيا كان لبريطانيا الزعامة الأكثر تأثيرا، ولكن بريطانيا قررت أن تأخذ وضعية «حذرة» جدا من الاتحاد الأوروبي، وتحديدا النموذج النقدي فيه، فآثرت البقاء على عملتها الوطنية ولم تقبل الانضمام لمنظومة عملة اليورو الموحدة، وجاء ذلك ليعطي ثقلا مميزا واستثنائيا لكل من ألمانيا وفرنسا لتحملا العبء الاقتصادي بشكل خاص، ولكن مع مرور الوقت بدأت فرنسا تلعب أدوارا لافتة تخرج عن دورها الأوروبي التقليدي وتبتعد عن كل من ألمانيا وبريطانيا في خطوطهما السياسية لتقوم بأدوار سياسية «تقدمية» ومغامرة وجريئة تعيد إلى نفسها بعض بريق المجد القديم الذي كانت فيه فرنسا دولة عالمية شديدة التأثير. وقد بدأ هذا الأمر يأخذ أشكالا مختلفة في لبنان وفي أفريقيا (ساحل العاج، مالي، النيجر على سبيل المثال لا الحصر)، ولكن كان الموقف الفرنسي المتقدم باتجاه الخلاص من نظام المعتوه معمر القذافي ذريعة ومثالا يحتذى من سائر دول العالم، وهو الذي جعل حلف «الأطلسي» يحسم قراره ويتدخل فورا لإنهاء نظام القذافي الهزلي. والآن، وإن كان بصورة مختلفة، تسعى فرنسا للعب دور قيادي في نصرة الثورة السورية على نظام بشار الأسد المجرم.

طار إعلام النظام السوري فرحا وهو يخبر شعبه عن هزيمة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، واعتقد أنها نهاية «الحملة الظالمة» على سوريا، ليجيء رئيس فرنسي جديد هو هولاند بحماسة أكبر وقناعة أعظم بضرورة «الخلاص الفوري» من نظام الأسد، وسارع بالمطالبة بدعم الثوار والضغط لإعادة تشكيل المعارضة ودعمها السياسي بالاعتراف بسفير لها وحث سائر الدول الأوروبية على اتباع نفس الخط. فرنسا وزعيمها الجديد تود لعب دور جديد في الشرق الأوسط، فهي حريصة على التوسع اقتصاديا مع دول المنطقة، حيث تورد شتى أنواع التقنية في مشاريع البنى التحتية للقطارات ومحطات الكهرباء والتوليد النووي والأسلحة ومنظومات الطيران وغيرها، ولكنها في الوقت نفسه تسعى لتطوير الجوانب التنسيقية والأمنية في العوالم السياسية مع العالم العربي.. فهي اليوم باتت تخشى من وصول الجماعات المتطرفة إلى قلب أوروبا في فرنسا عبر بوابة شمال أفريقيا، فتسعى بالتالي إلى علاقات أكثر تواصلا واقترابا وتنسيقا مع أهم الدول العربية التي لها باع مهم في مواجهة الإرهاب ومحاربته، وكل ذلك يأتي من رئيس يواجه تحديا كبيرا ينظر إليه العالم العربي بتمعن، وهو معني بالصوت الذي ستمنحه فرنسا في التصويت لصالح فلسطين كعضو في الأمم المتحدة.

فرنسا أمام محك خطير في إثبات حسن نيتها مع العرب والعالم العربي، وهي التي كانت دوما صوت الحقوق والمحارب لنصرة الضعفاء، واليوم سنرى شعاراتها وأهدافها أمام التحدي العملي وإثبات ما تقوله عبر السنين.. هل تتجاوز قوى الضغط اليهودية النافذة والمؤثرة على القرارات الغربية من هذا النوع، أم ستلتزم بمبادئها وتحافظ على ثبات أهدافها؟ شخصيا أعتقد أن فرنسا ستتحفظ وتمتنع عن التصويت منعا لإحراج نفسها مع العالم العربي، ولكن هذا طبعا ليس بالموقف المبادئي المشرف الذي يمكن أن تفتخر به كبلد قامت ثورته على المبادئ الخاصة بالعدالة والأخوة والمساواة والحرية، وهي المبادئ التي حرم منها تماما الفلسطينيون تحت أطول احتلال لا يزال قائما حتى اليوم.. فرنسا مطالبة بمواقف مختلفة تمحو تاريخ الاحتلال والإمبريالية وتطبق المعاني والقيم التي تفتخر بها، والمحك كبير، فنصرتها لليبيا وسوريا يجب أيضا أن تشمل الفلسطينيين. سنرى ذلك.

[email protected]