غزة: الخط الأميركي.. المصري.. التركي

TT

وآخر اتصال أجراه كان مع الرئيس المصري محمد مرسي، ورئيس الوزراء التركي رجب أردوغان، حثهما على التدخل لدى حماس كي تتوقف عن إطلاق الصواريخ، بما يعني تطوير الاتصالات مع حماس عبر قناتين هامتين هما القناة المصرية والقناة التركية. وهذا يغني عن الاتصال المباشر وقد يزيد. إذ إن الرئيس الأميركي أقدم على خطوة لم تكن متوقعة، وهي تكريس حماس كطرف فعال وتكريس الإسلام السياسي كشريك معتمد. وموضوعيا، بوسع أميركا جر إسرائيل إلى الخط الذي رسمته ما دام أقصى ما تريده من حماس هو وقف إطلاق الصواريخ.

المايسترو الأميركي هو الكاسب الأكبر من حرب غزة، وكل النتائج الحاصلة إلى الآن أو المحتملة تصب في طاحونته دون جهد كبير، فقد وضع سقفا لرعونة نتنياهو، لا يستطيع تجاوزه، وإذا كان السقف الذي وضع للحد من غلواء نتنياهو في المسألة الإيرانية قد نجح بصورة كاملة، فإن الأمر ينسحب على غزة حيث سقف أوباما بدا أكثر فاعلية من سقف نتنياهو الذي انخفض كثيرا بعد التحذير الأميركي والأوروبي بشأن الحرب البرية الممنوعة.

لقد نجح المايسترو الأميركي كذلك في إدخال مصر الإخوانية إلى مكان نموذجي تريده أميركا لمصر، وهو الاستمرار في الالتزام بالمعاهدات والاتفاقات السياسية والأمنية والعسكرية المبرمة بين مصر وأميركا وإسرائيل، وفي ذات الوقت أداء دور الوساطة مع حماس بما يكرس آلية عمل دائم ومباشر مع إسرائيل، مع رفع مستوى الوساطة المحايدة التي كانت متكرسة في الماضي، إلى وساطة ضامنة لحماس بالالتزام، ومن غير مصر وتركيا، كل على حدة أو معا، يستطيع أداء هذا الدور؟

إسرائيل قد ترضى من الغنيمة بالإياب، فقبل بداية حربها الأخيرة أعلنت عن أنها لا تنوي تصفية حكم حماس في غزة، ولكنها تريد ضرب قدراتها العسكرية، وإلزامها بعدم إطلاق النار لفترة طويلة.

حتى الآن، لا نستطيع القول إنها حققت ما سعت إليه، بل يمكننا الحكم على النتيجة حين نقرأ اتفاق الهدنة بكل بنوده، فإن وجدنا بندا يلزم حماس بعدم إطلاق النار أو عدم صدور نيران من المنطقة التي تسيطر عليها، فساعتئذ تكون النتيجة مرضية للجميع، إذ تكون إسرائيل قد غنمت هدوءا كان مستحيلا خلال الأعوام الماضية، وتكون مصر الإخوانية قد كرست مكانتها في المعادلة الأميركية كطرف فعال في أزمات المنطقة.

أين السلطة الوطنية من كل هذا؟

لقد ظهرت السلطة خلال فترة الحرب كما لو أنها تجاهد من أجل تثبيت شرعيتها، فلا أحد من الأطراف الفاعلة في المعادلة يريد لها دورا أكثر من دور الصليب الأحمر.

أميركا لم تجرِ اتصالا معها، ليقين أميركا بعدم قدرة السلطة على التأثير في قرارات غزة، والعرب سيأخذون وزير خارجيتها في زيارة لغزة، كما لو أنه وزير خارجية موريتانيا، أما رئيس وزراء مصر ووزير خارجية تونس، وغيرهما من الذين زاروا والذين سيزورون، فما زالت لديهم الحدود المألوفة من اللباقة والمجاملة، بإبلاغ السلطة بعزمهم على الزيارة، بما يسمح للدكتور صائب عريقات بالقول إن الزيارة نسقت مع السلطة.

حتى الآن لم تضع الحرب أوزارها، إلا أن كل يوم وكل تصعيد وكل تدمير جديد، لن يغير من الواقع السياسي شيئا، سوى أنه يمنح حماس أوسمة إضافية، ويوثق صلات الحكم الجديد في مصر بإسرائيل وأميركا، وقد يضيف شروطا حمساوية جديدة في لعبة المصالحة، فقصف تل أبيب يصلح لمثل هذه الشروط.

وأخيرا، السؤال..

لماذا يبدو وضع السلطة في المعادلة كما نراه؟

الجواب مجسد في بيت الشعر القديم الذي يبدو كما لو أنه نحت من أجل وصف حال السلطة:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له

إياك إياك أن تبتل بالماء