أردوغان ـ مرسي «أنا ليَّ مين»؟

TT

الكل قبل الثورة المصرية كان يحاول التأثير على قرارات الرئيس حسني مبارك والتدخل في شؤون مصر الداخلية والخارجية. الكل اليوم يقف في حيرة أمام قرارات القيادة الجديدة التي خيبت آمال المراهنين على صعوبة العودة المصرية إلى ما يليق بها.

السياسة المصرية قبل الثورة كان ينطبق عليها حكاية سائق السيارة الذي وجد نفسه فجأة وسط الضباب الكثيف وتعذر عليه رؤية الطريق فقرر تعقب السيارة التي كانت تتقدم أمامه ببطء إلى أن ارتطم بها بعد توقفها المفاجئ فنزل يصرخ ويشتم سائقها على تصرفه هذا إلى أن اكتشف أنه في مرأب سيارة الرجل ووسط حديقة منزله.

السياسة المصرية بعد الثورة تنطبق عليها قصة هذا السائق نفسه الذي ذهب ينتظر من صدم سيارته قبل أعوام أمام منزله ليكون له هو دليلا يقوده في هذه الطريق المحفوفة بالمخاطر.

مهمة القيادة المصرية بإشراف محمد مرسي صعبة وشاقة وتحتاج إلى نفس طويل، فهي تعرف أنها وسط الأمواج والرياح والعواصف والهبات الباردة والساخنة وهي تعرف أيضا أن التراجع عن قرار ما بدأته في الأشهر الأخيرة سيكون أكثر إيلاما وكلفة من قرار الابتعاد عن المشاكل والوقوف على الحياد أو محاولة حماية المصالح على حساب مصر وشعبها.

مصر تستعيد قواها ونفوذها لكنها قبل كل ذلك تستعيد ما سلب منها وما تحملت من عبء كلفها الثمن الباهظ الذي نال من الموقع والدور.

زيارة رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى مصر تندرج في إطار دعم وصول الإسلاميين إلى الحكم وبقائهم في السلطة من خلال طرح مشاريع سياسية إنمائية اجتماعية تسهم في حمل مصر وشعبها إلى موقع الريادة الإقليمية التي ستسهل لأنقرة استرداد ما فقدته هي الأخرى وتعزز سياسة توحيد المواقف في العالمين العربي والإسلامي.

مركز القرار في مصر لن يتبنى النموذج التركي غير الموجود أساسا كما قال أردوغان للمصريين في محاولة لوضع نقطة تكون نهائية لهذا النقاش، لكنه يحتاج إلى الاستفادة من الدروس الإيجابية في التجربة التركية وهو لن يتردد في قبول ذلك، ليس من منطلق الانفتاح على ما يقدمه حزب إسلامي ناجح بل من أجل مصلحة مصر التي تعيش أصعب أيامها الاقتصادية في هذه الآونة. الحديث حول توقيع العشرات من العقود والاتفاقيات وخطط التعاون يصب في إطار دمج المواقف والاستراتيجيات بين تركيا ومصر بعدما بدأ مشروع الصعود التركي الإقليمي يتعثر وتزايد عدد المشككين والمنفضين والمراهنين على سقوط سريع للعدالة والتنمية.

الانفتاح التركي الاقتصادي المالي على مصر ما زال في بدايته وهناك وعود أن يصل حجم التبادل التجاري في السنوات الأربع المقبلة إلى أكثر من 10 مليارات دولار وهي فرصة للبلدين للتحرك باتجاه المساهمة الفعلية في قيادة مسار اللعبة الإقليمية «يدا بيد لتوفير السلام بدل الدم والدموع» كما قال أردوغان في طريق العودة من جامعة القاهرة التي صفقت له أكثر من مرة وقوفا على الأقدام. أما الرئيس المصري فهو لم يتردد من جانبه في رد التحية بأحسن منها عندما قال إن مصر تسعى لتأسيس علاقة قوية مع تركيا وأن بلاده «تقدر قدسية العلاقة بين البلدين».

إسرائيل المتصلبة في سياساتها ومواقفها ستكون الخاسر الأكبر من التقارب التركي المصري. ربما بين أسباب مهاجمتها لغزة قبل أيام محاولة توجيه رسالة إلى مصر وتركيا ردا على تقاربهما واستعدادهما للتخلي عن الخيط الرفيع الذي ما زال يربطهما بتل أبيب. لكن إيران أيضا سيعنيها هذا الانفتاح طالما أن مواقفها في أكثر من مكان تتعارض هي الأخرى مع ما تقوله وتتبناه أنقرة والقاهرة حيال أكثر من ملف وقضية. الرد الإيراني على التنسيق التركي المصري هذا جاء ربما عبر تنظيم لقاء «أطياف المعارضة السورية» في العاصمة الإيرانية ردا على الدعم التركي المصري لقمة الدوحة ونتائجها وقراراتها.

ما زلنا عند موقفنا الذي رددناه قبل سنوات وما يليق بتركيا ومصر جنبا إلى جنب مع الغيورين على بناء السلم الحقيقي في المنطقة، وجاء أردوغان يطالب القيادة المصرية به وهو إطلاق عجلة التعاون الثنائي الحقيقي ليكون بمثابة حجر الأساس لتكتل إقليمي سياسي اقتصادي إنمائي يقطع الطريق على مشروع الشرق الأوسط الكبير ويتصدى للراغبين من داخل المنطقة وخارجها لعب ورقة التفتيت والشرذمة والاستقواء.

كل ما نتمناه بعد هذه الساعة هو أن لا يتكرر مشهد مشابه عاشته القاهرة قبل أعوام مع الرئيس الأميركي أوباما، الذي أطلق كثيرا من الإشادات بمصر وبدورها وبقيادتها فكان أول المتخلين عن الحليف والشريك، وفي مقدمة المتغاضين عن إسرائيل وسياساتها العدوانية والمترددين في دعم ثورة الشعب السوري.. وتحولت كل الوعود التي أطلقها من هناك إلى خيبة أمل كبيرة للمصريين وكثير من شعوب المنطقة.