الإسلام والآثار

TT

مما لا شك فيه أن تراثنا الحضاري مهدد ومستهدف؛ وللأسف ليس الاستهداف من عدو أجنبي حاقد أو له نوايا خبيثة، وإنما الاستهداف والتدمير يأتي منا نحن - ورثة هذا التراث، وكأننا نأبى إلا أن تضحك علينا الأمم. لقد وصلت الحماقة حد ضرب الآثار في سوريا بالقنابل والقاذفات ويأبى الطاغية إلا أن يسيل دماء الأطفال والنساء والرجال على أطلال حلب ودمشق ومدن كانت منذ آلاف السنين تتباهى بعمائرها وفنونها وعلومها. ولم يسلم تراثنا في مصر من الهدم والتدمير على يد لصوص طامعين في كنوز وهمية لا وجود لها، وأصبح الاعتداء على أراضى الآثار ممنهجا في ظل الفوضى وغياب دولة القانون وقبل كل ذلك موت الضمير. ولم نكتف بذلك بل أقحمنا ديننا الإسلامي الحنيف لكي نوصمه وندعى عليه بما ليس فيه! لقد خرج علينا جهلاء العصر عن طريق وسائل الإعلام ليبشرونا بقرب النصر العظيم عندما يحطمون الأهرامات وأبو الهول بدعوى أنها أوثان أمر الإسلام بتحطيمها! والمضحك المبكي في الأمر أن جماعة أخرى ترد على الأولى بأن في فعل ذلك شبهة مغالاة وأن الأفضل من الهدم تغطية وجوه التماثيل بالشمع وطمس معالمها!

وعندما سئل أحد هؤلاء الذين يدعون أنفسهم بما ليس فيهم عن سبب عدم هدم عمرو بن العاص للأهرامات وأبو الهول عندما فتح مصر؟ قال على وجه السرعة وكأنه كان ضمن جيش عمرو، إن السبب هو عدم وجود آلات الهدم في ذلك الوقت! والدليل (الكلام لنفس الشخص) أنه عندما توافرت لطالبان المعدات قاموا بنسف تماثيل بوذا في باميان!

نقلت وكالات الأنباء هذا الحديث ووصل إلى كل مكان وجاءني الكثير من الرسائل التي تندد وتشجب وتسخط، وتؤكد للعالم كله بأن الإسلام والمسلمين براء وأن الدين الإسلامي يدعو ويحث على زيارة الآثار للموعظة والاستفادة؛ يقول عز وجل: «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير» (العنكبوت 20). وفى موضع آخر: «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين» (النمل 69). وهو القائل عز وجل: «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال» (الرعد 17). وما أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلا بتحطيم الأوثان سوى لأنها تعبد، ولكن الآثار التي خلفتها الحضارات شاهدة على عظمة الماضي وفيها المعرفة والعلم لمن يعقل ولمن يتفكر ولمن يسير في الأرض فينظر ويتأمل؛ فعلينا الحفاظ عليها.

الأجانب يدخلون الأهرامات ويمضون الساعات لا لأنهم يعبدون الأهرامات بل يدخلون للتأمل والبعد عن ضوضاء الحاضر.

عندما قامت طالبان بتحطيم بوذا في باميان، لم يتم ذلك لوازع ديني وإنما كان ردا انتقاميا على ما قام به الهندوس من هدم مسجد بابرى الأثري بالهند. وقمت بالتنديد بهذه الأعمال البربرية في وقتها وأعلنت مع اليونيسكو أن هدم المسجد والتماثيل هو من أعمال الجهل والتعصب والتي لا تمت لدين بصلة. وتناسى الناس والإعلام موضوع هدم المسجد وركز على هدم بوذا وذلك بفضل عنترية الجهلاء؛ لتشويه الإسلام والمسلمين وإظهارنا بمظهر الجهل. اتقوا الله فينا وفي الإسلام يرحمكم الله.