حرب الشرق الأوسط التي لا تنتهي

TT

كان مسؤول إسرائيل يستمع قبل عدة أيام إلى نقد مألوف أن إسرائيل ليست لديها أي استراتيجية في غزة، وأنها ليست سوى اعتداء تكتيكي دوري على حماس. في النهاية انفجر المسؤول قائلا: «إنها استراتيجيتنا، ألا تدرك ذلك؟ لا يوجد لدينا أي خيار آخر عدا لكم خصومنا في الوجه كل بعض سنوات».

أكثر ما يثير الأسى بشأن الحرب الأخيرة في غزة هو أنها تجسد ملمح «لا مخرج» للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. تتكرر الحرب بين الجانبين كل أربع أو خمس سنوات، لكنها لا تحسم شيئا على الإطلاق. فيقصف الإسرائيليون الفلسطينيين إلى أن يقبلوا بوقف إطلاق النار، لكنه مؤقت. وتستمر هذه الحالة النفسية للحرب.

المرة الأولى التي شاهدت فيها هذا الفيلم كانت في عام 1982 عندما غزت إسرائيل لبنان لوقف إطلاق الصواريخ التي كانت تسقط في ذلك الوقت على شمال إسرائيل. حمل الغزو في تلك الفترة اسم «عملية السلام للجليل»، واجتاح الجيش الإسرائيلي الطريق إلى بيروت، وظن الإسرائيليون أن قوة نيرانهم الهائلة سترغم الفلسطينيين على الفرار كما فعلت الجيوش العربية في الحروب السابقة، لكن الفلسطينيين صمدوا في أماكنهم.

اتضح أن الإسرائيليين لم تكن لديهم استراتيجية جيدة لإنهاء هذه الحرب، كما هو الحال في الحرب الحالية. وقبلوا في عام 1982 الوساطة الأميركية التي أجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على الرحيل عن جنوب لبنان وبيروت، لكن هذا كان نعمة ونقمة في الوقت ذاته؛ فقد حل مقاتلو حزب الله الأكثر تنظيما بديلا لمقاتلي حرب العصابات الفلسطينيين.

الآن يشكل حزب الله هذا التهديد الصاروخي القاتل لشمال إسرائيل، وقد أجبرت تفجيرات حزب الله الانتحارية إسرائيل على غزو لبنان مرة أخرى عام 1996 (عملية عناقيد الغضب)، ثم الانسحاب بعد الفشل في لبنان عام 2000، ثم مهاجمة حزب الله مرة أخرى في عام 2006 (عملية تغيير الاتجاه).

كانت غزة تجربة مماثلة في الفشل، حيث تشتري كل دورة عنف بضع سنوات من الهدوء، يتبعها مزيد من الحرب. فبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة 2005، أطلقت حماس 12.000 صاروخ وقذيفة «هاون» على الدولة اليهودية، دفعت قوة الدفاع الإسرائيلية إلى غزو القطاع عام 2008 في عملية أطلقت عليها عملية «الرصاص المصبوب» تبعها وقف إطلاق النار. لكن حماس والميليشيات الأخرى في غزة أطلقت في السنوات التي تلت ذلك أكثر من 3.000 صاروخ وقذيفة «هاون»، رغم فترات وقف النار الدورية.

في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) ضجت إسرائيل من الصواريخ التي تطلق على أراضيها وردت بعملية «عمود السحاب»، اغتالت خلالها أحمد الجعبري، ما أدى إلى إطلاق 1.500 صاروخ من جانب حماس التي ردت عليها إسرائيل بقصف أكثر من 1.400 هدفا. وأدت أعداد الوفيات غير المتوازنة (130 فلسطينيا على الأقل مقابل أربعة إسرائيليين) إلى بعض الانتقادات الدولية التي قوضت بعض الميزات العسكرية لإسرائيل.

هل هناك أي فرصة للخلاص من هذا الجحيم الإسرائيلي - الفلسطيني؟ يرى المواطن الإسرائيلي الواقعي أن الأوضاع لن تكون أفضل حالا مما هي عليه الآن. فيما يتصور عدد قليل من الإسرائيليين أن السلام الحقيقي ممكن مع خصومهم الذين يرفضون قبول الوجود الإسرائيلي. أما المثالي الذي يقبل اتفاقية أوسلو عام 1993 فقد مات أو رحل عن إسرائيل أو استسلم.

ربما كان ذلك بسبب عيد الشكر، لكن القول بأن على أميركا أن تقبل ببساطة حتمية صراع دائم على حدود إسرائيل يبدو أشبه بخيانة على كلا الجانبين. هذا النوع من الحرب يقضي على شخصية الرجل المهذب، ولذا قد يبتهج الفلسطينيون عندما يعلمون أن صواريخهم تستهدف الأسر في تل أبيب، أو قد يشجب مناصرو إسرائيل الصحف لنشرها صورا لصحافي فلسطيني ينتحب على طفله الذي قتل، أو ترسل بريدا إلكترونيا بعنوان «لقن الطفل الميت».

العمل مبعوث سلام في هذه المنطقة لم يمنح الولايات المتحدة العرفان بالجميل؛ فقد أكسبها العداء في إسرائيل التي لا ترغب من أقرب حلفائها أن يكون «متوازنا» في هذا النوع من صراع «الحياة أو الموت». وأكسبها انتقادات ومرارة بين العرب الذين سمعوا الكثير من الوعود الأميركية التي لم ينجز منها سوى القليل، وهو جعل الكثيرين يعتقدون أن الأمر لا يعدو كونه تمثيلية مصطنعة.

لكن أوباما يحتاج في بداية فترته الرئاسية الثانية إلى تولي هذا العبء مرة أخرى كما فعل عندما تولى السلطة. وقد عمل بجدية لتعزيز العلاقات مع الداعمين الرئيسيين الثلاثة لحماس: مصر وتركيا وقطر. حتى إن الإسرائيليين يعتقدون أن حكومة «الإخوان المسلمين» في مصر تصرفت بشكل بناء في هذه الأزمة، ويرغبون في رؤية مزيد من السيطرة المصرية على قطاع غزة.

وقف إطلاق النار في غزة سيوفر منطلقا جديدا لمفاوضات غريبة وغير مستقرة، لكنها تستحق تجربة مزيد من الخطوات. ما هي المخاطرة؟ هل هي حرب أخرى؟ أم هو التهديد بعدد أكبر من الهجمات الصاروخية؟ تلك الصورة الكئيبة تسمى الوضع الراهن.

* خدمة «واشنطن بوست»