ورقة اليانصيب الخليجية في ربيع العرب!

TT

كان السؤال الأكثر إلحاحا في بعض الندوات الفكرية وبين كواليس السياسة وقد طرح بجدية، هو ما أهداف دول الخليج في المساعدة لخلق دينامية تغييرية في البلاد العربية؟ هل هي مسايرة لواقع لا يرد، أم تحقيق لأهداف معينة؟ فقد كان نصيبها الأوفر، فرادى أو مجموعات، سياسيا وإعلاميا ودبلوماسيا، أن تأخذ القيادة والريادة في القضايا الإقليمية في الآونة الأخيرة؟ ربما السؤال يتطلب الإجابة أو التفكير فيها ودول مجلس التعاون تستعد للاجتماع الذي ربما يكون الأكثر حسما في مسيرتها في المنامة الشهر المقبل.

لقد كانت المبادرة الخليجية هي التي أوصلت الموضوع اليمني بعد إنهاك إلى ما وصل إليه، وكانت خلف ديناميات الجامعة العربية في الموضوع الليبي، وهي ناشطة في القضية السورية، كما كانت ناشطة إعلاميا في الموضوع التونسي، وأيضا المصري، وأصبحت تلك حقائق معروفة. الأقرب إلى التحليل أن بلاد الخليج قد اشترت «ورقة يانصيب» في ربيع العرب! ربما يصادف أن تربح تلك الورقة لتعود إلى الخليج باستقرار أكثر، وفي ظني أن ذلك التوقع محدود الرؤية، وقد تبقى ورقة فقط تستخدم للتاريخ دون أن تحقق أي هدف! بل والاحتمال الذي يجب التفكير فيه أن شراء تلك الورقة في حد ذاته قد يأتي على الخليج بمردود عكسي.

لقد كنا هناك - تقريبا في نفس قوة الفعل - قبل ثلاثة عقود من الزمان، في عقد الكارثة ما بين 1979 – 1989 في مرحلة تحرير أفغانستان من «الأشرار»، فقد دفعت دول الخليج بالشباب والأموال بالإضافة إلى الإعلام إلى ذلك المكان الغامض، ربما بسبب عدم فهم أو بسبب عاطفة دينية، أو بسبب توافق مع دول كبرى، أو قصور تخطيط، إلا أن الدخول هناك كان غير منظم على أقل تقدير، ثم الخروج منه انتهى بكارثة اسمها 11 سبتمبر، تركت تداعيات دولية بعيدة الأثر، وكثيرا من القلق في العواصم الخليجية بعد عودة «المجاهدين» ما زال يحمل آثارها ما يعرف بـ«القاعدة في جزيرة العرب». لقد كان تدخلا كارثيا ببصيرة عمياء، حتى إن الإعلام في بعض دول الخليج قد أعطى للمجاهدين الأفغان من الكرامات ما لم تعطه القوى تلك حتى للرجال الأخيار في التاريخ الإسلامي.

قد يتكرر سيناريو تلك النتائج، وإن كان بصورة أخرى مختلفة، من خلال الدينامية الجديدة التي تمت تجاه ربيع العرب، فهو ربيع قامت تداعياته على تيارات اقتصادية واجتماعية ساخطة، إلا أنه لا الخاسرون في ربيع العرب راضون عن النشاط الخليجي (مرة أخرى السياسي والدبلوماسي والإعلامي والتمويلي)، ولا الرابحون كذلك، بل إن بعض قيادة الرابحين - حتى الآن - لا يترددون في الحديث لخاصتها أن العدوى سوف تصل إلى دول الخليج، وربما قد وصلت إليها الآن في بعض الأطراف، جراء نشاط المتعاطفين، أو بسبب تأثير نظرية «جناح الفراشة» التي تقول إن تأثيرا ما يمكن أن يطول أماكن بعيدة في حال التصويب العشوائي! حرق مقر «الجزيرة» والكتابات المعادية لدول الخليج في بعض عواصم الربيع ليست خافية، بل إن بعض المواقف السياسية التي تسربت تدل على أن حوارا يتشكل على قاعدة «الإسلام السياسي» مناهض لما استقر عليه الأمر في دول الخليج كالحديث المعلن عن أمم إسلامية متحدة! إذا أضفنا إلى ذلك أن الأوبامية (التفكير الأميركي الجديد والقادم) هو أن المنطقة برمتها لم تعد مهمة من ناحية أمن الطاقة، فالولايات المتحدة سوف تكون قادرة على الاستغناء عن النفط من المنطقة في خلال أربع سنوات، وسوف تكون مصدرة للطاقة (بأنواعها المختلفة) خلال ثماني سنوات، عدا أن الأوبامية الجديدة تميل بقوة إلى ترجيح ما عرف بـ«المبادئ الأخلاقية الأميركية» على التحالف المكلف، وهي إعلاء حقوق الإنسان وحقوق والمواطنة، وإلى آخره من المنظومة التحديثية. لقد ظهرت الأوبامية في أكثر أشكالها وضوحا عندما طلبت من كبير حلفائها في مصر (أن ارحل بالأمس لا اليوم)! ذلك يهدد الخليج في المدى المتوسط والبعيد بالانكشاف الاستراتيجي الخطر.

أمام ورقة اليانصيب والتحول الأميركي والدولي، وما يمكن أن يفرزه الربيع العربي من تداعيات جلها تقود إلى تضامن قوى جديدة، هل يأخذ الخليجيون في اجتماع المنامة المقبل بوليصة تأمين للمستقبل؟! في تقديري، إن بوليصة التأمين تحتاج إلى فعلين، أحدهما داخلي وثانيهما إقليمي، وقبلهما تغيير التفكير التقليدي في الاقتراب من التحديات لمحاولة استباق نتائجها.

نصف بوليصة التأمين في الشأن الداخلي، أي إصلاح البيت من الداخل، فلم يعد يكفي أن يكون الإنسان ذا مال، بل يحتاج إلى الكرامة أيضا، وعلى الجميع التفكير في تهدئة «الضجيج» الصامت في دول الخليج الذي يشتكي من التهميش وسوء الإدارة في نفس الوقت متزامنا مع هدر الموارد. هناك في البيت الخليجي الواحد مجموعة من المشكلات التي لم يلتفت إليها أحد بعد، ومن التفت إليها هون من تأثيرها، ورغب البعض في اختيار الصمت عن إثارتها علها تختفي، إلا أن تركها تحت السجاد سوف يؤثر على سلامة السجادة وهي النسيج الاجتماعي الخليجي.

أما النصف الثاني من بوليصة التأمين فهو العمل على إيجاد صيغة «توحيدية» تتسامى على المكاسب الآنية والأنانية، فقد يكون في حشد الموارد وتنظيم الاتصال بالخارج ما يحقق تنمية أفضل للجميع، فمجموع الوحدات دائما هو محصلة أفضل من تذررها. الدولة تؤسس القبيلة ذلك هو التاريخ، ولكن بقاء أو حصر الدولة في القبيلة يضعفها، فما تحتاجه القبيلة يختلف عما تحتاجه الدولة الحديثة، من هنا تأتي ضرورة التفكير خارج صندوق القبيلة لمواجهة تحديات الدولة الحديثة. بين ورقة اليانصيب وورقة بوليصة التأمين يقف الخليج اليوم على مفترق طرق.

آخر الكلام:

حزنت للغة التي بشر بها بعض الإخوة في حماس، بعد وقف إطلاق النار، بأن ما حصل هو انتصار! لقد أصبحت كلمة الانتصار سهلة في التداول إلى حد التكاذب، الانتصار الوحيد الذي يمكن أن يحققه الفلسطينيون هو وحدتهم، ما بقي بعد ذلك هو «تهدئة» و«وقف إطلاق نار» مكرر على قاعدة تشرذم، وكلاهما ليس انتصارا!!