إبهار هندي جديد!

TT

الهند بلد مبهر وغير عادي، وعلى المستوى الشخصي لا يوجد بلد يستمر في نيل إعجابي ويجبرني على متابعة أخباره بلا أي توقف مثل هذا البلد العملاق. وطبعا من المعروف الآن الإنجازات التي لا يمكن أن يتم وصفها إلا بالمبهرة في مجالات مختلفة مثل التعليم والتقنية الحديثة والإنتاج الصناعي والخدمات المكتبية الخلفية والبرمجة والأدوية وغير ذلك، وطبعا في شتى مجالات الصناعة والخدمات، بل إن الهند تطورت مؤخرا لتصبح لاعبا مهما في قطاع السياحة والفندقة عبر سلسلة المطاعم والفنادق المهمة التي تمتلكها مجاميع هندية نجحت وتفوقت وانتشرت حول العالم. مع عدم إغفال الدور الهندي الكبير والناجح في الإنتاج الفكري بشتى صوره من أفلام سينمائية وبرامج تلفزيونية وموسيقى وكتب أصبح لها جمهور معروف بولائه ووفائه الهائل والمنتشر حول العالم.

لكن ما اكتشفته مؤخرا أثار فضولي واهتمامي الشديد لأنه أكد لي مجددا أن الهند مستمرة في السير بخطى قوية لتكون دولة شديدة التأثير على المستوى العالمي وفي كل القطاعات.. ما اكتشفته هو أن الهند اليوم تحولت إلى قبلة العالم وعاصمته في التلقيح الصناعي لمن لديهم مشاكل في الإنجاب بمختلف أسبابه. الناس يأتون إلى الهند من كل أنحاء العالم بلا أي مبالغة، من لوكسمبورغ، من السعودية، من تنزانيا، من تايلاند، من الولايات المتحدة الأميركية، ومن أوزبكستان، وبأرقام مذهلة من الناحية العددية للمراجعين. هناك عيادات متخصصة في كل المدن الرئيسية والصغيرة في الهند يزيد عددها على 500 عيادة، وتتمركز بشكل رئيسي في كل من دلهي التي يراجعها مرضى من أفغانستان وإيران والعراق وأفريقيا وروسيا، وبومباي التي يراجعها مرضى من غرب آسيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا وروسيا وبلجيكا ولوكسمبورغ والإمارات العربية المتحدة وعمان والسعودية واليمن.

كذلك مدينة بوني التي يراجعها مرضى من أفريقيا والإمارات العربية المتحدة وعمان والسعودية واليمن، ومدينة بنغالور التي يأتي إليها مرضى من أفريقيا وسريلانكا وأميركا، وأخيرا مدينة تشياي التي يأتي إليها مرضى من أفريقيا وسريلانكا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا وغرب آسيا وماليزيا. وبالإضافة طبعا إلى «عدد» و«انتشار» العيادات المتخصصة في هذه المسألة الدقيقة هناك أيضا عنصر الخبرة التراكمية للعاملين في هذا القطاع، وطبعا هناك العامل الشديد الجاذبية وهو عنصر التكلفة التي تصل لنصف تكلفة الإجراءات نفسها في أوروبا على سبيل المثال، وهذا طبعا عنصر جذب كبير. وأعداد المراجعين تزداد بشكل هائل سببه كل هذه الأسباب الوجيهة جدا.

وليس هذا هو المجال الوحيد المميز للهند في القطاع الطبي، فالهند خطت خطوات هائلة ومهمة جدا في زراعة الأعضاء وعلاجها، مثل القلب والكلى والكبد والرئة، وفي مسائل في غاية التعقيد وشديدة الدقة، ومع ذلك بات من الممكن الإشادة التامة بالتجربة الهندية ووضعها ضمن المراكز المحترمة والجديرة حول العالم. الهند اليوم تجرى فيها عمليات زرع كلى تفوق بكثير دولا تفوقها تقدما وتجربة، وكذلك الأمر بالنسبة للقلب والكبد، وتخطو بثبات وتألق في مجال زراعة الرئة، وكما هو معلوم فإنه المجال الأخطر والأصعب والأكثر تعقيدا وصعوبة بلا شك. وفي المجال نفسه تتفوق الهند بالتدريج في التعامل مع بعض سرطانات الدم ونوعيات محددة من الأورام.

القطاع الطبي في الهند فيه عشرات الآلاف من الأطباء الناجحين جدا والذين باتوا يحتلون مراكز مهمة في كبرى المستشفيات الغربية الكبرى وفي أعقد المجالات وأصعب التخصصات، وبالتالي ليس غريبا أن يكون «الجسر» الموصول بين هنود المهجر - وهم كثر - وبلادهم الأم لتطوير القطاع الطبي يتسبب في مكاسب كبيرة وملموسة جدا.

اليوم الخدمات الطبية في الهند تتطور بقوة شديدة (تماما مثلما تطور قطاع صناعة الدواء فيها وبات من ركائز الاقتصاد هناك). وحجم الاستثمارات التي تضخ في تجهيزات المستشفيات والعيادات يؤكد أن القطاع الصحي في الهند سيكون لاعبا اقتصاديا مهما وركيزة جديدة لتأكيد أن الهند باتت دولة محورية وبالتدريج في كل المجالات.

القطاع الطبي كان دوما خط الفصل بين الدول الصناعية الأولى والدول الناشئة النامية، ويبدو بوضوح أن الهند شارفت على الانضمام للدول الصناعية الكبرى قريبا.

[email protected]