خلقت شبه مجنون

TT

هل هناك عيب إذا اعترفت بأنني سبق لي أن أخذت درسا في تصميم ملابس النساء؟! بالنسبة لي ليس هناك أي عيب (البتة)، غير أن بعض أقاربي يعتبرون ذلك من كبائر الإثم، بل إن قليلا منهم يرددون دائما على مسامعي قائلين: «أخزاك الله يا مشعل بقدر ما تجلب لنا الفشيلة في كل ما تكتبه»، ولكن مع ذلك فإنني أردد بيني وبين نفسي قائلا: «على من تعزف مزاميرك يا أهبل؟!»، لهذا ضربت بكلامهم عرض الحائط، وظللت أجلبها، وسأظل أجلبها إلى أن يسترد الله أمانته في القريب العاجل، فالفشيلة التي يظنونها هي بالنسبة لي الصدق الصريح الذي ليس فيه غمغمة أو مداورة أو مجاملة، حتى ولو (على جتتي) مثلما ينطقها إخواني أهل مصر.

وأقولها بالفم (المليان): فعلا درست في ما درست في (أكاديمية الفنون) تاريخ الأزياء في مختلف العصور ولا فخر، وكانت لي مساهمة في ذلك، ولولا الموقف العدواني الذي اتخذه (بروفسور) تلك المادة مني لأصبحت الآن منافسا لبعض المصممين العرب من أمثال (عز الدين عليا)، و(إيلي صعب)، و(ريم عكرا)، غير أن الزمان للأسف (جاب مناخيري بالأرض) - طبعا هذا في الحلم - وأذكر أن البروفسور صدمني عندما شاهد بعض رسوماتي التصميمية الكارثية حتى قال لي: «أنصحك بأن تترك هذا الطريق نهائيا، لأنك بخيالك المجنون هذا سوف تقلب (موضة) النساء ظهرا على عقب للأسوأ»، وكررها: للأسوأ.

ومن يومها أصبت بالإحباط وتركت هذا المجال لغيري، لكن هذا لم يفت بعضدي في تتبع خطوط الموضة، وكلما تسنى لي في كل عام أن يكون هناك عرض للأزياء سواء في باريس أو ميلانو أو نيويورك، فإنني أكون من أوائل الجالسين والمشاهدين (لكتيبة) العارضات وهن يتمخطرن بسيقانهن الجميلة الناحلة على ذلك الممر الطويل المبارك - ودائما كنت في كل خطوة من خطواتهن أردد: «يا أرض احفظي ما عليكِ» - وأرجوكم ألا تتضايقوا من كلامي ووصفي هذا، وإنني بدوري أسألكم بالله: أيهما أكثر بركة، هل هو طابور تلك الحسناوات المسالمات كسرب طيور (الفلامنغو)، أم طابور العسكر (ببساطيرهم) الثقيلة وهم مدججون بالسلاح؟!

صحيح وأعترف للمرة الثانية أنني بذلك إنسان غير مهموم ومتابع لما يسمى بالربيع العربي مثلما يقولون، ولكن ما يعزيني ويعطيني دافعا للحياة أنني إنسان مهموم ومتابع لما هو أهم وأجدى، وهل هناك في الدنيا كلها أهم وأجدى من المرأة، في كل خطوة تخطوها على وجه هذه الأرض الشبقة، والتي لولاها لما دارت الأرض حول نفسها، ولما كان هناك ليل أو نهار، ولما كان هناك نسل، ولما كان هناك حب، ولما كان هناك أمل؟!

اعذروني أيها السادة، لأنني على حد قول أحد الممثلين اللبنانيين الساخرين (عم أأروش)، لكن أيضا: وهل هناك أروع من (الأروشة) في هذا الزمان (الأرمد) - وهو كناية عن الرماد؟!

أعترف لكم للمرة الثالثة بأنني كتبت هذه الكلمات دفعة واحدة، ولم ولن أراجعها، ولا أدري ماذا (هببت) وكتبت في أولها!! ولكن لن يهمني ذلك حتى لو أن كلماتي سوف تقودني إلى التهلكة، وما أكثر ما قادتني، لكن الغريب أنني لم أمت بعد، فأنا يا أحبابي خلقت شبه مجنون، غير أن جنوني ليس مؤذيا لأي مخلوق، اللهم إلا لمشعل وحده لا غير، ويا ربي يا حبيبي اغفر لي إذا كنت قد أخطأت.

أووووووه، أوووه، ما أكثر أخطائي.

[email protected]