عندما يصبح الحياد خيانة!!

TT

بينما تزداد شراسة النظام السوري في توجيه نيرانه الثقيلة لقتل الثوار وإجهاض الثورة، تزداد على الجانب الآخر كل عوامل المقاومة لمؤازرة الثورة السورية بكل الوسائل السياسية والثقافية والفنية.. السلاح ليس فقط طلقة الرصاص، ولكن الفيلم والأغنية والشعر والفن التشكيلي، حيث شاركت كلها بكل نبل وشرف في الميدان. كل التظاهرات الثقافية التي جاءت بعد ثورات الربيع وضعت على رأس أهدافها تعضيدها، باستثناء مهرجان واحد كان منوطا به أن يلعب هذا الدور.. إنه مهرجان القاهرة في دورته الـ35 التي تفتتح مساء غد. يعرض المهرجان بين فعالياته فيلما من إنتاج مؤسسة السينما السورية التي هي واحدة من أذرع النظام السوري. الفيلم اسمه «العاشق» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، لا يتطرق إلى الثورة وكأنه لا ثورة هناك ولا شهداء، والمعنى الذي تريد مؤسسة السينما السورية إعلانه هو أن سوريا لا تعيش في ظل ظرف استثنائي، والدليل أنها تقدم فيلما لن ترى فيه أي أصداء للثورة.

مهرجان القاهرة صار تابعا لوزارة الثقافة، ويبدو بهذا الاختيار وكأنه يعيش في كوكب آخر. لم تعد الفضائيات هي فقط الساحة التي احتضنت ثورات الربيع العربي، لقد لعبت المهرجانات السينمائية دورا مؤثرا. ستكتشف مثلا أن مهرجان «كان» في 2011 لم ينتظر طويلا، حيث إنه احتضن بعد عدة أشهر ثورتي مصر وتونس. لم تكن الأفلام المصرية ولا التونسية بالمستوى الفني المطلوب، من مصر عُرض فيلما «18 يوم» و«صرخة نملة» ومن تونس «لا وقت للخوف». المعنى الذي حرصت عليه إدارة المهرجان الفرنسي هو التأكيد على الانحياز المطلق لثورات الربيع.

في 2012 واصل مهرجان «كان» تأييده لثورة ليبيا التي كانت حاضرة بقوة من خلال فيلم «قسم طبرق»، وواصل دعمه للثورة المصرية بفيلم «بعد الموقعة»، والمقصود بالعنوان ما أطلق عليه إعلاميا موقعة الجمل، وأيضا لم يكن الفيلم على المستوى الفني المطلوب على الرغم من عرضه داخل المسابقة الرسمية، لكن الرسالة التي يقولها المهرجان هي أن هناك تأييد مطلق للثورة. وكل المهرجانات الكبرى مثل «فينسيا» و«برلين» حرصت على أن تضع في فعاليتها أفلاما سورية تسجيلية تناصر الثورة لم يستطع بعض مخرجيها خوفا من بطش الأسد أن يعلنوا أسماءهم مباشرة.

المهرجانات العربية لم تكن بعيدة، خاصة الخليجية، حيث احتضنت تلك الأفلام وغيرها وحددت موقفها المؤيد للثورة، مثلا مهرجان «الدوحة تريبيكا» الذي انتهت فعالياته قبل يومين عرض أكثر من فيلم موثق للثورة المصرية، مثل «ظل راجل» و«نفس طويل» و«28 يناير» و«كلام الثورة»، ومن سوريا كان فيلم «في فضاء الوهم» الذي سخر من الأسد الأب. بالإضافة إلى أن المهرجان أيضا يتعمد اختيار الفنانين المؤيدين للثورة في لجانه.. مثلا هذا العام رأست لجنة تحكيم الأفلام التسجيلية السورية المخرجة هالة العبد الله، وهي من أكثر الفنانين السوريين رفضا وفضحا لفساد بشار، وعرض لها قبل أقل من شهر في مهرجان «أبوظبي» فيلمها «القبض على الكوبرا»، وقصدت بثعبان الكوبرا بشار الأسد، وتعددت أسماء الفنانين مثل المخرجين السوريين واحة الراهب ومأمون البني ونبيل المالح، كل هؤلاء وغيرهم من المغضوب عليهم من نظام الأسد تحتفي بهم مهرجانات الخليج.

مهرجان القاهرة يبرر اختياره لفيلم إنتاج الدولة السورية بأنه يقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من الجميع. هل اليوم من الممكن أن تختار دولة بقيمة مصر الحياد.. ألا يعد الحياد في مثل هذه الحالة خيانة؟! فإذا كان المهرجان يدري فتلك مصيبة، وإذا كان لا يدري فالمصيبة أعظم.. وأتصور أنها أعظم!!