استقلال السلطة القضائية وأزمة الاستثمار الأجنبي في مصر

TT

مع بداية أزمة الائتمان في عام 2008، تراجعت الموارد المالية بشكل كبير، وهي الآن في طريق العودة إلى التحسن في ظل ظروف صعبة للغاية، حيث دخلت كل الدول الساعية إلى جذب الاستثمار في منافسة من أجل مجموعة محدودة من المستشارين الدوليين ورأس المال والموظفين، وستتمكن الدول صاحبة الأنظمة التي بنيت وتدار وفق المعايير الدولية المعروفة فقط من جذب الشركات التي تتحلى بالخبرة المطلوبة لتنفيذ مشروعات. هذه الاستثمارات ستتوافر بكثرة عندما يكون استقلال السلطة القضائية واضحا ومن دون أي تدخل سياسي.

أوردت هذه الصحيفة «الشرق الأوسط» يوم الأحد خبر انخفاض الأسهم في البورصة المصرية بنسبة 10 في المائة بعدما منح الرئيس المصري محمد مرسي نفسه صلاحيات جديدة واسعة. وأشارت إلى أنه جرى تعليق التداول ثلاثين دقيقة عندما انخفضت الأسهم في جلسة التداول الأولى عقب إعلان الرئيس. وقد أثارت المظاهرات ضد قرار الرئيس وخطط جماعة الإخوان المسلمين للقيام بمسيرات لدعمه تخوفا كبيرا لدى المستثمرين. إضافة إلى هذه القضايا، تأتي المسألة السورية لتضيف إلى مخاوف المستثمرين ورجال الأعمال. ومن ثم، فإن الحكومات بحاجة إلى إعادة بناء الثقة.

وتعد بريطانيا صديقا جيدا للمنطقة، وسيواصل قطاعها الخاص مساعيه في مد يد العون والاستثمار في المنطقة عندما تتوافر الفرص وتستقر الأوضاع.

ومن بين المؤشرات الأخرى على أن هذا التفكير التقليدي سوف يتغير قريبا، النظرة الاقتصادية العالمية لمجلس المؤتمر الأميركي الذي شكك في معجزة دول «بريك» (البرازيل وروسيا والهند والصين) وتأكيده على أن الثمار القريبة من العمالة الرخيصة والتكنولوجيا المستوردة اقتطفت بالفعل.

يلاحظ أن الشركات تستغل في العديد من الدول المناخ الاقتصادي العالمي الراهن في القيام بخطوات جادة للدخول إلى الأسواق الكبيرة، فيما تسعى الاستثمارات الأخرى في الوقت ذاته إلى اللجوء إلى الملاذات الآمنة مثل بريطانيا. ومن ثم، فلن يكون من المثير للدهشة أن نرى الأفراد يتطلعون أيضا إلى فرص النمو حيث تكون الأوضاع أكثر استقرارا، وكل الدول تتنافس على الاستثمارات نفسها المتوافرة المحدودة. في الوقت ذاته، ومع تصاعد الاضطرابات في الشرق الأوسط والتشكك بشأن مستقبل دول «بريك»، وصل عمدة لندن، بوريس جونسون، إلى الهند في زيارة تمتد لستة أيام لتعزيز الروابط التجارية الوثيقة بين العاصمة البريطانية والدولة التي تشهد نموا سريعا. ولا تزال عبارة «بريطانيا العظمى» تحتل مكانة كبيرة في الوقت الراهن في أعقاب الألعاب الأولمبية واليوبيل الماسي لجلوس ملكة بريطانيا على العرش، وهو ما جعل جونسون يأمل كثيرا في الاعتماد على هذا النجاح.

يولي المستثمرون اهتمامهم في الأساس للأسواق المستقرة والآمنة، ومن ثم، فمن غير المثير للدهشة أن تواصل العلامات التجارية البريطانية المعروفة جذب الاستثمارات. هذه المرونة في المبيعات لا تزال كبيرة وجذبت استثمارات دولية كبيرة، وعادة ما تكون الملكية الدولية بالشيء الجيد.

ومن هذه العلامات، العلامة التجارية لشركة «آستون مارتن» للسيارات بسبب ارتباطها الطويل بجيمس بوند، إضافة إلى وجودها الدائم في سباقات السيارات. وللعلم، فإن مالك شركة «آستون مارتن» هي شركة «دار الاستثمار الكويتية». وهناك شائعات تدور على نطاق واسع بأن صندوق الاستثمار الإيطالي، «إنفست إنداستريال»، قد قدم عرضا يقارب 250 مليون جنيه إسترليني (400 مليون دولار) لشراء شركة «آستون مارتن». وتشير التقارير أيضا إلى أن «ميهاندرا آند ميهاندرا» قدمت عرضا أعلى. وقد نفت «دار الاستثمار» التقارير بتلقيها عروضا لشراء 50 في المائة من ماركة السيارات البريطانية الفارهة.

وتعد الرياضة أحد المجالات التي تجذب مزيدا من اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي. وتجذب أوروبا قدرا كبيرا من ذلك. وتأتي بريطانيا بصفتها أكثر الدول جذبا لهذه الأموال، حيث وقع نادي آرسنال خلال الأسبوع الحالي اتفاقا جديدا بقيمة 150 مليون جنيه إسترليني مع الخطوط الجوية الإماراتية لمد رعاية قميصه حتى عام 2019. في الوقت ذاته، تم تمديد حقوق اسم «استاد الإمارات» شمال لندن حتى عام 2028 بصفته جزءا من الاتفاق. وإجمالا؛ سيجلب الاتفاق الجديد لنادي آرسنال 30 مليون دولار سنويا نتيجة رعاية القمصان والاستاد. ويعتبر العقد الجديد الأضخم في مجال كرة القدم ويفوق خصوما مثل ليفربول في العائدات الرياضية. كما وقع نادي مانشستر سيتي العام الماضي اتفاقا لمدة عشر سنوات بقيمة 400 مليون جنيه إسترليني مع شركة «طيران الاتحاد» مقابل وضع اسم الشركة على قمصان واستاد الفريق.

وفي عام 2011 وقع فريق برشلونة ما اعتبر في ذلك الوقت أكثر اتفاق رعاية قميص ربحية في عالم كرة القدم مع «مؤسسة قطر» بقيمة 30 مليون يورو (24 مليون جنيه إسترليني)، لكن هل سنشهد اتفاقا مماثلا لشركة الخطوط الجوية القطرية الموسم المقبل. كان الاتفاق المرة الأولى التي يعقد فيها فريق برشلونة شراكة تجارية وقد استقطب ذلك بعض المشجعين. وهذا كله لم تكن ستكسبه بريطانيا لولا الاستقرار السياسي والبنية القانونية المستقلة الراسخة.

هذا؛ وقد انتهت قمة بروكسل دون اتفاق حول ميزانية دول الاتحاد خلال السنوات السبع المقبلة ومن ثم تجري مفاوضات لعقد اجتماع آخر لتذليل العقبات أمام التوصل إلى اتفاق، لكن لم يتضح بعد إمكانية حل هذه الخلافات. وقد عبر رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي عن ثقته في إمكانية التوصل إلى اتفاق أوائل العام المقبل، وهو ما دفع كثيرا من الشركات إلى استثمار مبالغ ضخمة في نوادي أوروبا الأضخم والأشهر. هذا يشير إلى أنهم يتوقعون حصول عدد كبير من الأفراد على الأموال لإنفاقها وإلا لما استثمروا في مثل هذا النوع من الإعلان.

من ناحية أخرى، يعتقد الشعب البريطاني بضرورة تجميد مستويات الإنفاق الحالية في الاتحاد الأوروبي وضرورة إجراء تغييرات بنيوية لجعل جميع دول أوروبا أكثر كفاءة وتنافسية عالميا.

وقد أسفرت القمة عن انقسامات واضحة بين دول الشمال الغنية في الاتحاد الأوروبي والدول الأكثر فقرا في الجنوب والشرق، لكن العلاقة المتوترة بين فرنسا وألمانيا لعبت هي الأخرى دورا في ذلك؛ فعندما يغيب التوافق بين البلدين تتحرك الأوضاع ببطء. فقد أرادت ألمانيا تطبيق مزيد من التخفيضات في مقترح الميزانية - لا كبريطانيا وآخرين - بل تخفيضات من دون اختلاف. على الجانب الآخر، كانت فرنسا، التي دعمت إيطاليا وإسبانيا، حريصة على دعم مشروعات الإنفاق الأضخم في الاتحاد الأوروبي. ومع عدم توصل الدول المهيمنة على الاتحاد، ألمانيا وفرنسا، إلى اتفاق حول الميزانية، حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من إنفاق لا يمكن تحمله. هذه الانقسامات تسهم في فتح قنوات جديدة لتمويل الاستثمار ومن ثم لن تشجع في توفير الموارد المالية عندما يكون الشرق الأوسط في حاجة إلى استثمارات لتوفير الوظائف.

وقع ذلك من خلال تحويل 35 مليار يورو من السلطات الأوروبية لتمويل إنقاذ مصرف إسبانيا المركزي في 15 ديسمبر (كانون الأول)، شملت بنك «بانكيا» الذي أنقذته الدولة. وسيتم توزيع الأموال التي يتم ضخها من صندوق الإنقاذ الأوروبي على مصارف إسبانيا المتعثرة بعد أسبوعين من دفعها إلى صندوق إعادة هيكلة المصارف الإسبانية. وستكون النتيجة أن تتلقى هذه المشروعات جيدة الإعداد استثمارات من دول تعتبر مستقرة وآمنة، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية وقطر والإمارات.

ما من شك في أنه ينبغي على أي دولة ترغب في جذب الاستثمار الأجنبي، وتطبيق تدابير الإدارة الفاعلة والممارسات العملية الناجحة، أن تبذل ما في وسعها لخلق بيئة استثمارات آمنة وإعادة بناء الثقة.. ويأتي بين ذلك استقلال السلطة القضائية.

* أستاذ زائر في

«كلية متروبوليتان لندن»

لإدارة الأعمال ورئيس مجلس

إدارة شركة «ألترا كابيتال»