البرادعي ولحظة يلتسين

TT

حالة الانقسام التي تشهدها مصر حاليا ليست وليدة اللحظة، فقد بدأت من الاستفتاء الأول الذي جرى في عام 2011 على «الدستور أم الانتخابات أولا» والذي جاءت نتيجته لصالح الانتخابات بدعم واضح من القوى السياسية الإسلامية (الإخوان والتنظيمات السلفية)، وظلت تتعمق بعد ذلك مع كل الأحداث التي مرت بها البلاد وصولا إلى انتخابات الرئاسة التي أبرزت أيضا الانقسام العميق بعد إعلان نسب التصويت. لكن لم يصل الانقسام في أي مرحلة إلى الدرجة التي وصل إليها حاليا بعد الإعلان الدستوري الجديد للرئيس مرسي والذي جمع بموجبه السلطات كلها في يده بما فتح معركة تهدد باحتراب داخلي ومواجهة مفتوحة مع القضاء، وكل القوى السياسية الأخرى بينما يبدو أن الإخوان والقطاع الأكبر من السلفيين تمترسوا وراء قرارات الرئيس.

وقد كان تقريبا هذا هو المشهد الذي ظلل المسيرة السياسية في مصر في مرحلة ما بعد 25 يناير الانتقالية، فقد كانت تنظيمات وقوى الإسلام السياسي - وأقواها الإخوان - في جانب، وبقية القوى من مختلف الأطياف التي يجمعها الرغبة في الحفاظ على مدنية الدولة في جانب آخر. الفارق أن الإخوان خاصة - وبدرجة أقل السلفيون - كانت لهم تنظيمات وكوادر وتاريخ من العمل العام في الشارع، والأهم قيادات تستطيع أن تحرك الجموع وتتفاوض نيابة عنهم، بينما القوى الأخرى قد يكون يجمعها هدف واحد لكنها مشتتة وبلا قيادات، وليست لها خبرة كبيرة في العمل السياسي في الشارع. والأهم أيضا أنه ليس لديها قيادة موحدة تمثلها وتتفاوض نيابة عنها، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في انتخابات الرئاسة عندما لم تتمكن من الالتفاف وراء مرشح واحد واستمر ذلك بعد الانتخابات حيث لم يكن هناك من يمكن إطلاق لقب زعيم المعارضة عليه.

وقد كان الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق حاضرا في المشهد دائما سواء قبل 25 يناير من خلال رفضه صراحة وعلانية بعد عودته من فيينا ودخوله الساحة السياسية في مصر قضية التوريث، وهو ما أوقعه في أزمة مفتوحة مع النظام السابق، أو بعد 25 يناير عندما كان اسمه يطرح باعتباره الخيار المدني الأفضل لإدارة المرحلة الانتقالية نظرا لمواقفه الواضحة، وهو ما ظهر في سرعة رد الفعل والموقف القاطع بعد الإعلان الدستوري.

البعض انتقده لأنه لم يتقدم بسرعة ويقود المشهد، فحسب تعبير أحد المتابعين، لم يستغل البرادعي ما وصفه بـ«لحظة يلتسين» أي الرئيس الروسي السابق عندما لمح اللحظة التاريخية وتصدى للانقلاب على غورباتشوف في 1991 واعتلى ظهر دبابة، وبدأ يخطب مؤيدا لحشد شعبي ضد الانقلاب، وفرض نفسه لاحقا في الكرملين. والانتقاد على أساس أن البرادعي كان يمكنه أن يعتلي ظهر دبابة من التي كانت في ميدان التحرير بعد 25 يناير ويطلب منها التوجه إلى القصر الجمهوري ليملأ الفراغ الذي قفزت إليه قوى سياسية أخرى.

لا أحد يعرف هل كانت هناك لحظة يلتسين في مصر أم لا وهل فاتت أم ستأتي مستقبلا، المؤكد أن الظروف مختلفة، وأنه لم يكن هناك التفاف حول شخصية أو قيادة موحدة، وأن كل القوى السياسية كانت في حالة ارتباك أمام سرعة المشهد، كما لم يكن هناك وضوح في الرؤية، وسط مزايدات واستخدام الدين في السياسة واللجوء إلى أساليب التشهير الشخصي.

الإيجابي في اللحظة الحالية على الرغم من سخونة المشهد وحالة الترقب لمليونيتي اليوم هو بدء التنسيق بين قوى المعارضة الأساسية وظهور ائتلاف بينها بما يشبه لجنة قيادة بموقف موحد تجاه الإعلان الدستوري، ولا يمكن التكهن بالمسار الذي ستتخذه الأزمة. وإن كان المشهد في كل الحالات يحتاج إلى زعيم للمعارضة لديه تفويض وقاعدة تدعمه، وقد يكون البرادعي أفضل شخص مرشح للعب هذا الدور بما يمكن من تطوير الممارسة السياسية وينقلها إلى مستوى آخر.