أحداث المنطقة وأسئلة بحاجة لأجوبة

TT

من كان قادرا على تحليل منطقي للأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، والتوصل إلى تحديد الكاسبين والخاسرين من جرائها، أو إلى أين ستقود المنطقة.. فليرفع إصبعه؟! وإلا فليطرح الأسئلة التي سنطرحها في هذا المقال، مع إقرارنا سلفا بصعوبة الجواب عليها.

سؤال على ماذا يدل أو يخفي هذا التعاون بين الرئيسين، الأميركي والمصري، في تحقيق الهدنة بين إسرائيل وحماس على جبهة غزة؟ هل كانت أسبابه اقتصادية (قرض البنك الدولي) أم لتخليص حماس من سوريا وإيران؟ أم ترجمة لتسليم واشنطن بالتعامل مع الإسلاميين؟

سؤال آخر عن حقيقة موقف إيران من حماس؟ هل ستواصل دعمها لها أم تتوقف عنه بعد أن توفر لحماس داعمون آخرون؟ وحقيقة موقف حماس من الثورة السورية، بعد احتضان مصر وقطر لها؟

وسؤال عن هذا الدعم السياسي العلني المفاجئ للنظام السوري من قبل الحكومة العراقية؟ وأسئلة أخرى حول ذهاب رئيس السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة قبل المصالحة مع حماس (إذا تمت)؟ ولماذا لم يقتنع بنصيحة الرئيس الأميركي، الذي يراهن البعض على أنه في ولايته الثانية، سوف يلقي بكل وزنه لتحقيق السلام وقيام دولة فلسطينية؟ ثم لماذا تحرك إسلاميو الأردن وقامت المظاهرات الضخمة فيه وتجدد الحديث عن حل القضية الفلسطينية مع الأردن أو على حسابه؟ ولماذا تراجع الاهتمام الدولي بالثورة السورية، قبل وبعد أحداث غزة؟ وأين صارت المشكلة النووية الإيرانية، والتهديد الإسرائيلي بقصف المفاعل الإيرانية؟

عشرات الأسئلة التي لا تتوفر أجوبة واضحة أو حاسمة عليها. لا عند المراقبين والمحللين فحسب، بل عند أصحاب الشأن والقرار. ابتداء بالبيت الأبيض وانتهاء بحماس وفتح، مرورا بالعواصم الأوروبية التي تلاعبت بمصائر شعوب الشرق الأوسط والعرب والمسلمين، قرونا، والتي باتت، اليوم، تتعاطف مع بعض قضاياهم العادلة، دون التجرؤ على إغضاب إسرائيل وأنصارها القابضين على زمام المال والإعلام في الغرب؟

إنها أسئلة قديمة ومتجددة. حاولت الأجيال العربية المتعاقبة الإجابة عليها، بالانقلابات والثورات وتجارب الاتحادات، وبتبني أيديولوجيات قومية واشتراكية ودينية، وصولا إلى الربيع العربي الأخير الذي رفع فوقه علمان: علم الإسلام وعلم الديمقراطية. وماذا كانت حصيلة عامين تقريبا من هذه الثورات التي اعتبرها البعض في مستوى الثورات الكبرى في تاريخ البشرية؟ هل هو ما نراه في مصر وفي تونس وفي سوريا والأردن وغيرها، من مجابهات واصطدامات بين الديمقراطيين والإسلاميين، وما لا تبشر بأي خير، بل تحمل الشعوب على الندم على الاستقرار الذي كانت تنعم به قبل الربيع العربي.

من الواضح أن كسر هذه الحلقة المفرغة يحتاج إلى حدث ضخم: خارجي، أو إقليمي كقيام الدولة الفلسطينية الممهد لتحقيق السلام بين إسرائيل والعرب، بضغط الولايات المتحدة والدول الكبرى على إسرائيل. أو بتغيير النظام الحاكم في إيران أو تغيير هذا النظام لسياسته الإقليمية. أو بقيام حلف تركي – مصري – سعودي – خليجي - أردني، بوجه طموحات إيران ومشاريعها الإقليمية. أم بسقوط النظام السوري؟ أم بقيام ديمقراطيات عربية على أنقاض الأنظمة الديكتاتورية التي أسقطها الربيع العربي؟

كل هذه الخطوات لا تصب في مصلحة إسرائيل وستعمل على منعها أو إحباطها، كما فعلت سابقا ولا تزال. وهي تملك أكثر من سلاح حربي وسياسي وإعلامي ومخابراتي، لإجهاض أي خطوة أو محاولة تراها مهددة لمصلحتها الراهنة والمستقبلية. وأهم سلاح لديها هو تحريكها لكل التناقضات والرواسب الخلافية في الواقع الثقافي والاجتماعي والمذهبي العربي والإسلامي، فتتمزق الأمتان العربية والإسلامية أكثر فأكثر إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية متناحرة وملتهبة بنزاعاتها بدلا من توحيد صفوفها لمقاومة التحدي الإسرائيلي واستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية. والنهوض بشعوبها إلى مصاف الأمم المتقدمة والمشاركة في بناء حضارة القرن الحادي والعشرين.

إن من يتأمل في المشهد العربي والإسلامي الراهن، وعلى الأخص في ما يجري في سوريا والأردن ومصر وتونس ولبنان أيضا، لا يسعه سوى الإمساك بقلبه هلعا مما يخبئه الغد القريب. أي ثورات جديدة ونزاعات طائفية ومذهبية. أي تفكك بعض الدول إلى دويلات. أي تحول الشرق الأوسط برمته إلى «رجل مريض»، كما كان يطلق عليه من وصف في القرن التاسع عشر.

ومما يزيد «حالة المريض» خطورة هو أن الحرب الباردة الجديدة بين الغرب الأميركي - الأوروبي والشرق الروسي - الصيني، تكبل أيدي هذه العواصم وتعطل أي مبادرة دولية لحل المشاكل والأزمات التي يتخبط فيها الشرق الأوسط، وأن سياسة الرئيس أوباما الخارجية تستبعد أي تدخل عسكري في هذه المنطقة من العالم، بعد ما أدى إليه تدخلها في العراق وأفغانستان من نتائج لا تتفق مع أهدافها أي مقاومة الإرهاب وتحقيق الديمقراطية واحتواء مشاريعها الهمايونية. وإيران ودمشق وموسكو تعرف ذلك وتراهن على التناقضات لزيادة المشاكل تعقيدا، وحلها صعب.

منذ شهر كانت مهمة الأخضر الإبراهيمي وأخبار الثورة في سوريا تحتل صدارة الأخبار في وسائل الإعلام. واختفت اليوم. لماذا؟ سؤال آخر يضاف إلى الأسئلة المطروحة في مقدمة المقال. ولعله الأكثر أهمية.