إذا لم يكن ما تريد

TT

إسرائيل، كعادتها في مواجهة أي استحقاق في الأمم المتحدة - حيث لا تحظى بالكثير من العطف - تحكم حسابات الربح والخسارة.. و«المشورة» الأميركية الحيوية بالنسبة لها في المنظمة الدولية.

ويبدو أن حصيلة العمليتين على صعيد معارضة طلب السلطة الفلسطينية الحصول على وضع دولة مراقب لفلسطين أظهرت أن أكثرية ساحقة من الدول الأعضاء تؤيده - بينها الكثير من الدول الأوروبية الرئيسية – ما يعني أن «احتواء» الطلب الفلسطيني بات أجدى من معارضته وجها لوجه.

تم التنسيق الإسرائيلي – الأميركي حيال الطلب الفلسطيني في إطار محادثات سرية بين الجانبين، كشفت عنها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، توصلا فيها إلى اتفاق على معطيين أساسيين: أولا، أن يستتبع الاعتراف الدولي بوضع فلسطين «كدولة مراقب» موافقة الفلسطينيين على الدخول في محادثات سلام مع إسرائيل «دون شروط مسبقة»، وثانيا، أن تمتنع «الدولة» الفلسطينية المنبثقة عن القرار عن تحريك دعاوي جنائية في محكمة لاهاي ضد عدد من المسؤولين الإسرائيليين.

التفاهم الإسرائيلي - الأميركي يفسر المرونة غير المسبوقة التي تبديها حكومة بنيامين نتنياهو حيال طلب السلطة الفلسطينية. ولكن هذه المرونة لا تخرج عن إطار قبول الطلب شكلا، وتعطيله مضمونا. إسرائيليا وأميركيا يبدو أن شعار المرحلة هو «إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون».. ولكن بشكل معدل، وعمليا مفرغ من أي مخالب جنائية ومشروط بالتزام الفلسطينيين مقاربة دبلوماسية للتسوية النهائية مع الإسرائيليين. وهذا التطلع تنادي به الحكومة البريطانية التي تحث إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على لعب دور أكثر فعالية لتقريب فرص السلام في الشرق الأوسط، وتعتبر أن الهدنة الراهنة بين «حماس» وإسرائيل قد تكون آخر فرصة متاحة لقيام الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، المتعايشتين بسلام فوق أرض فلسطين. ولكن أي فلسطين تتوقع إسرائيل أن تنضم إلى الأمم المتحدة؟

العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة فتح لـ«حماس» باب التصرف كمشروع دولة في المنطقة ووفود كبار المسؤولين العرب والشرق أوسطيين التي تدفقت على القطاع، قبل العدوان وإبانه، عززت تطلعات «حماس» للعب هذا الدور في مرحلة تلاحظ فيها الحركة اتساع رقعة الدول الإسلامية المتعاطفة معها في المنطقة في موسم ما سمي بالربيع العربي.

المعطيات السياسية الراهنة قد تشجع «حماس» على تغذية آمال التحول إلى ممثل فعلي لكل الفلسطينيين وربما التخطيط للسيطرة على السلطة الفلسطينية في الضفة. ومن غير المستبعد أن إسرائيل، الخارجة لتوها من حرب صواريخ مقلقة مع «دولة» حماس، تسعى من قبولها المشروط بصفة الدولة المراقب لفلسطين، إلى تقديم الصفة التمثيلية للسلطة الفلسطينية على صفة «حماس». (والمفارقة الواجب ذكرها في هذا السياق أنها تمثل تكرارا، ولكن معكوسا للموقف الذي اعتمدته في أواخر الثمانينات والقاضي بـ«غض الطرف» عن توسع قاعدة «حماس» أملا بإضعاف شعبية منظمة التحرير الفلسطينية).

هذا لا يعني عزل «حماس» عن القرار الفلسطيني المصيري، فمن الطبيعي أن تخرج حماس من مواجهتها العسكرية الأخيرة مع إسرائيل كلاعب رئيسي على الساحة الفلسطينية يصعب تجاهله حتى من إسرائيل والولايات المتحدة.

ولكن، بقدر ما ستكون عضوية السلطة الفلسطينية الجديدة في مجلس الأمن مؤشرا لبدء مرحلة تفاوض دبلوماسي على قيام «الدولتين» الفلسطينية والإسرائيلية، ستزداد الحاجة إلى وحدة الصف الفلسطيني. وعلى هذا الصعيد يبدو رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، القيادي الأكثر حرصا على وحدة الصف الفلسطيني والأكثر التزاما بضرورة تجنب الانجرار إلى مواجهة عبثية مع السلطة في هذا المنعطف الدقيق في تاريخ القضية. وقد لا يكون من المبالغة في شيء التأكيد على أن وحدة الضفة والقطاع أهم تمثيلا للقرار الفلسطيني، اليوم، من عضوية الدولة المراقب في الأمم المتحدة.