روسيا و«الحادث المحتوم»

TT

طغت في الايام الاخيرة اخبار غرق الغواصة النووية الروسية «كورسك» وفي جوفها 118 من خيرة البحارة الروس في قاع بحر بارينس، على غيرها من الاخبار الدولية وبلغت الفاجعة ذروتها ظهر امس عندما اعلن رئيس اركان اسطول الشمال ان كل افراد طاقم الغواصة المنكوبة قضوا نحبهم.

والواقع ان البيانات السابقة رغم تناقضها في بعض الاحيان، مهدت تدريجيا لهذا الاعلان ولمحت الى ان الامل في نجاة البحارة قد انعدم ليس فقط لفرق الانقاذ النرويجية والبريطانية التي هرعت الى عين المكان بل كذلك لذويهم ولروسيا برمتها.

وحتى اذا ما تم العثور على بعض البحارة احياء (العالم تعود على التصريحات والتصريحات المضادة للآلة السياسية الروسية)، وهذا مستبعد جدا فسيبقى حادث الغواصة كارثة انسانية بكل المعايير وضربة قاسية لكبرياء البحرية الروسية التي كانت يوما ما سيدة البحار، وفوق هذا ستضع الاسطول النووي الروسي محل تساؤلات، ليس فقط من طرف المختصين أو حماة البيئة بل من طرف المواطنين الروس والعالم اجمع لا سيما اذا ما نتجت عن ذلك كارثة بيئية.

وبينما ينفي مسؤولون روس حتى كتابة هذه السطور حدوث تسرب اي اشعاعات إلا ان «خبراء يدعون الحياد» يؤكدون ان حدوث تلوث خطير غير مستبعد على الاطلاق وان اغلاق المفاعل النووي وحده لا يكفي واحتمال انفجاره امر وارد ما لم يحافظ على درجة تبريد معينة.

والمتابعون لمحنة الغواصة الروسية المنكوبة «كورسك» ومن ضمنهم الفضوليون، مقتنعون ان البيانات الرسمية الصادرة من قيادة الاسطول الروسي جاءت متناقضة حتى لا نقول انها غير دقيقة، يغلب عليها احيانا طابع الفزع والارباك والخوف من الفشل واحيانا اخرى تلمح الى الصراع الدائر بين المؤسسة العسكرية وبعض الاطراف الروسية الاخرى. وهذا في حد ذاته يدفع الى التساؤل عما اذا كان اسلوب موسكو في التعامل مع اخبار الغواصة الجاثمة في قاع البحر على عمق 110 امتار قد جاء متعمدا قدوة بأسلوب الاتحاد السوفياتي المعروف سابقا (اخفاء الحقيقة مهما كان حجم الكارثة)، ام انه ببساطة شديدة العجز الواضح لفعالية واداء البحرية الروسية المتهمة محليا ودوليا بفشلها في انتشال واحدة من احدث غواصاتها النووية.

الشيء المؤكد ان روسيا عندما ورثت تركة الاتحاد السوفياتي تحولت من قوة عسكرية عظمى ودولة بحرية لها صولات وجولات في مختلف بقاع المعمورة الى دولة تطلب ـ العون والمساعدة بحريا وعسكريا من النرويج ـ وهي دولة بالكاد تحسب على الدول المتقدمة في هذا المجال ـ في انقاذ غواصتها المنكوبة.

ولعل السؤال المطروح بالحاح بعد هذه الفاجعة الانسانية هو ما تأثير هذه الكارثة على مستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

المرجح انها ستضيف الى همومه (المأزق الشيشاني والمديونية والازمة الاجتماعية الخانقة والمافيا المالية والاقتصادية... الخ) متاعب اخرى وسيجد نفسه عاجزا في المدى القصير عن الاجابة على تساؤلات واحباطات رجل الشارع الروسي عن اسباب اخفاء المعلومات ورفض المساعدات البريطانية والاميركية وعاجزاً عن اثبات ما تدعيه البروباغندا الروسية من ان التكنولوجيا الروسية البحرية هي الارقى في العالم.. وفوق هذا الاجابة على سؤال أين يكمن مستقبل روسيا في عهده؟

أما استقالة بوتين بفعل هبوط شعبيته إلى الحضيض فهي مستبعدة في الوقت الراهن وتتوقف في الدرجة الأولى على عوامل خارجية اكثر منها داخلية.

وعلى ذكر العوامل الخارجية فاننا نذكر بأنها لعبت دورا كبيرا في تفكيك الاتحاد السوفياتي سياسيا ساعدها في ذلك «سذاجة»، حتى لا نقول «عمالة»، ميخائيل جورباتشوف.. فهل كارثة الغواصة «كورسك» هي بداية لتفكيك روسيا نوويا ولتصبح نمرا بدون أنياب نووية على يد الرئيس الروسي الحالي بوتين؟! التاريخ كفيل بالاجابة عن هذا التساؤل.